باب فيما يحرم علي المحدث مزاولته من الأعمال.
)
س12" ماهي الأعمال التي يحرم علي المُحدِث مزاولتها؟(ع)ج12"أولاً يحرم علي المُحدِث مس المصحف الشريف
المصْحَفُ: ما كُتِبَ فيه القرآن سواء كان كاملاً، أو غير كامل، حتى ولو آية واحدة كُتِبَتْ في ورقة ولم يكن معها غيرها؛ فحكمها حكم المصحف.
وكذا اللَّوح له حكم المصحف؛ إِلا أن الفقهاء استثنوا بعض الحالات.
وقوله: «المحدِث»، أي: حدثاً أصغر أو أكبر؛ لأن «أل» في المحدث اسم موصول فتشمل الأصغر والأكبر.
والحَدَثُ: وصف قائم بالبَدَن يمنع مِنْ فِعْلِ الصلاة ونحوها مما تُشترط له الطَّهارة.
والدَّليل على ذلك:
(1)- قوله تعالى: {{إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ *فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ *لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ *تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ *}} [الواقعة] .
وجه الدِّلالة: أنَّ الضَّمير في قوله: «لا يمسُّه» يعود على القرآن، لأن الآيات سِيقت للتَّحدُّث عنه بدليل قوله: {{تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ *}} [الواقعة] والمنزَّل هو هذا القرآن، والمُطَهَّر: هو الذي أتى بالوُضُوء والغُسُل من الجنابة، بدليل قوله: {{وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ}} [المائدة: 6]
(2) ما جاء في كتاب عمرو بن حزم الذي كتبه النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم إلى أهل اليمن وفيه: «... ألا يمسَّ القرآن إلا طاهر...» وحتى لو فسرت الآية بأن المراد بهم الملائكة فإن ذلك يتناول البشر بدلالة الإشارة كما في هذا الحديث.
("قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالي النفس تطمئن لصحة هذا الحديث لاسيما وقد احتج به إمام أهل السنة أحمد بن حنبل وصححه الإمام إسحاق ابن راهويه الإرواء ص122)
والطَّاهر: هو المُتطهِّرُ طهارة حسِّيَّة من الحَدَث بالوُضُوء أو الغُسُل، لأن المؤمن طهارته معنوية كاملة، والمصحف لا يمسُّه غالباً إلا المؤمنون، فلما قال: «إلا طاهر» عُلم أنها طهارة غير الطَّهارة المعنوية، بل المراد الطَّهارة من الحَدَث، ويَدُلُّ لهذا قوله تعالى: {{مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ}} [المائدة: 6] أي طهارة حسِّيَّة؛ لأنه قال ذلك في آية الوضوء والغُسل.
-(3) من النَّظر الصَّحيح:
أنَّه ليس في الوجود كلام أشرف من كلام الله، فإذا أَوْجَبَ الله الطَّهارة للطَّواف في بيته، فالطَّهارة لِتِلاوَةِ كتابه الذي تَكَلَّم به من باب أولى، لأننا نَنْطق بكلام الله خارجاً من أفواهنا، فَمُمَاسَّتنا لهذا الكلام الذي هو أشرف من البناء يقتضي أن نكون طاهِرِين؛ كما أن طوافنا حول الكعبة يقتضي أن نكون طاهرين، فتعظيماً واحتراماً لكتاب الله يجب أن نكون على طهارة.
وهذا قول جمهور العلماء ومنهم الأئمة الأربعة"(م)
قال ابن عبد البر : " إنه أشبه المتواتر لتلقي الناس له بالقبول "
قال شيخ الإسلام" عن منع مس المصحف لغير المتطهر : " هو مذهب الأئمة الأربعة "
وقال ابن هبيرة في " الإفصاح " : " أجمعوا - يعني الأئمة الأربعة - أنه لا يجوز للمحدث مس المصحف "
الشيخ صالح الفوزان حفظه الله"ولا بأس أن يحمل غير المتطهر المصحف في غلاف أو كيس من غير أن يمسه ، وكذلك لا بأس أن ينظر فيه ويتصفحه من غير مس
.
س13 ماحكم مس كتب التفسير؟(ع)
ج13" يجوز مَسُّها؛ لأنها تُعْتَبر تفسيراً، والآيات التي فيها أقلُّ من التَّفسير الذي فيها.
الدليل" كتابة النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم الكُتُبَ للكُفَّارِ، وفيها آيات من القرآن) ، فدلَّ هذا على أن الحُكْمَ للأغلب والأكثر.
س14" مالحكم إذا تساوي التَّفسير والقُرآن؟
ج14" إِذا اجتمع مبيحٌ وحاظرٌ ولم يتميَّز أحدُهما بِرُجْحَانٍ، فإِنه يُغلَّب جانب الحظر فيُعْطى الحُكْمُ للقرآن.
15 مالحكم إذا كان التَّفسير أكثر ولو بقليل؟
ج"15 وإن كان التَّفسير أكثر ولو بقليل أُعْطِيَ حُكْمَ التَّفسير
ثانياً مما يحرم علي المحدث.
الصلاة
أولاً: الكتاب:
ويحرم على المحدث الصلاة فرضا أو نفلا ، وهذا بإجماع أهل العلم ، إذا استطاع الطهارة لقوله تعالى : يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا الآية المائدة:6)ثانياً: السُّنَّة:
قوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يَقْبَلُ الله صلاةً بغير طُهُور»وقال صلّى الله عليه وسلّم: «لا صلاة بغير طُهُور»[وقال صلّى الله عليه وسلّم: (لا يقبل الله صلاة أَحَدِكُمْ إِذا أَحْدَثَ حتى يتوضأ) البخاري 135 الوضوء
ثالثاً: الإجماع:
فقد أجمع المسلمون أنه يَحْرُمُ على المحْدِثِ أن يُصَلِّيَ بلا طَهَارة.
س ماهي الصلاة التي قصدها رسول الله صلي الله عليه وسلم?
والصَّلاة هي التي بَيَّنَهَا الرَّسولُ صلّى الله عليه وسلّم تحريمها التَّكبير، وتحليلها التَّسليم، سواء كانت ذاتَ رُكوع وسُجود أم لا. فالفرائض الخَمسُ صلاة، والجمعة، والعيدان، والاستسقاء، والكسوف، والجنازة صلاة، لأن الجنازة مُفتتحة بالتكبير، مُختتمة بالتَّسليم، فينطبق عليها التَّعريف الشَّرعي، فتكون داخلة في مُسَمَّى الصَّلاة.
و هو الأصحُّ
س16"هل سجدتَي التِّلاوة والشُّكر صلاة؟(ع)
ج16: علي خلاف بين العلماء "
الأول "أنهما صلاة وبِنَاءً على هذا يَحْرُمُ على المحْدِثِ أن يَسْجُدَ للتِّلاوة أو الشُّكْر
الثاني" أنهما ليسا بصلاة لما يلي:
2- أن الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم سَجَدَ في سورة النَّجْمِ، وسجد معه المسلمون والمشركون، والمشركُ لا تصحُّ منه صلاة، ولم يُنكر النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم ذلك(أخرجه البخاري)
اختيار شيخ الإِسلام رحمه الله.
لا تعد سجدة التِّلاوة والشُّكر من الصَّلاة، وحينئذٍ لا يَحْرُم على مَنْ كان مُحْدِثاً أن يَسْجُدَ للتِّلاوة أو الشُّكْرِ وهو على غَير طَهَارة( الاختيارات العلميةص60)
ثالثاً مما يحرم علي المحدِث "(ع*م)
الطَّوافُ.أي: يَحْرُمَ على المُحْدِثِ الطَّوافُ بالبيتِ، سواء كان هذا الطَّواف نُسُكاً في حَجٍّ، أو عُمْرَةٍ أو تَطَوُّعاً، كما لو طَافَ في سَائِرِ الأيَّام.
والدَّليل على ذلك:
1 ـ أنه ثَبَتَ عنِ النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم أنَّه حين أراد الطَّواف تَوَضَّأ ثمَّ طاف( البخاري 1614*1615)
2 ـ حديث صفيَّة لمَّا قيل له: إِنَّ صَفِيَّة قد حاضَتْ، وظنَّ أنها لم تَطُفْ للإِفاضة فقال: «أحابستنا هي؟»( البخاري 1757)
والحائِضُ معلوم أنَّها غيرُ طاهِرٍ.
3 ـ حديث عائشة أنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال لها حين حاضت: «افعلي ما يفعل الحاجُّ غيرَ أنْ لا تطوفي بالبيت)(أخرجه البخاري في باب الحيض 294)
4 ـ قوله صلّى الله عليه وسلّم: «الطَّواف بالبيت صلاة؛ إِلا أنَّ الله أباح فيه الكلام؛ فلا تَكلَّموا فيه إِلا بخير»»(أخرجه الترمذي من حديث ابن عباس (961)
5 ـ استدلَّ بعضهم بقوله تعالى: {{وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}} [البقرة: 125] .
وجه الدَّلالة: أنه إِذا وَجَبَ تطهير مكان الطَّائف، فتطهيرُ بَدَنِهِ أَوْلَى، وهذا قَول جمهورِ العلماء
الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالي" أنَّ الأفضل أن يَطُوفَ بطهارة بالإِجماع، ولا أظنُّ أنَّ أحداً قال: إِنَّ الطواف بطهارة وبغير طهارة سواء، لأنه من الذِّكرِ، ولِفِعْلِهِ صلّى الله عليه وسلّم.( الممتع المجلد الأول227)
س17" مالحكم في هذه الحالة امرأةٍ حاضت ولم تَطُفْ للإِفاضَةِ، وكانت في قافِلَةٍ ولن ينتظروها؟(ع)
17" علي خلافٍ بين العلماء واختار شيخ الإسلام ابن تيمية تطوف للضَّرورة، وهو الصَّواب، لكنْ يجبُ عليها أن تَتَحَفَّظَ حتى لا ينْزل الدَّمُ إلى المسجد فيلوِّثه.( مجموع الفتاوى(21*247)
رابعاً مما يحرم على المحدث حدثا أكبر من جنابة أو حيض أو نفاس اللبث في المسجد بغير وضوء"(م)
الدليل"
لقوله تعالى : يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا )( النساء"43)
أي : لا تدخلوا المسجد للبقاء فيه .
ولقوله صلى الله عليه وسلم : لا أحل المسجد لحائض ولا جنب ، رواه أبو داود من حديث عائشة ، وصححه ابن خزيمة .
س 18" هل إذا توضأ من عليه حدث أكبر جاز له اللبث في المسجد ومالدليل؟ (م)
ج"18 نعم يجوز له لقول عطاء : " رأيت رجالا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلسون في المسجد وهم مجنبون إذا توضئوا وضوء الصلاة " .
والحكمة" تخفيف الجنابة
س"19" هل يجوز للمحدث حدثا أكبر أن يمر بالمسجد لمجرد العبور منه من غير جلوس فيه؟
نعم لقوله تعالي : إلا عَابِرِي سَبِيلٍ ) ( النساء"43)أي : متجاوزين فيه للخروج منه ، والاستثناء من النهي إباحة ، فيكون ذلك مخصصا لعموم قوله صلى الله عليه وسلم : لا أحل المسجد لحائض ولا جنب . رواه أبو داود من حديث عائشة وصححه ابن خزيمة
وكذلك مصلى العيد لا يلبث فيه من عليه حدث أكبر بغير وضوء ، ويجوز له المرور منه لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : وليعتزل الحيض المصلي)( متفق عليه) البخاري 974)