ذكرت مصادر التاريخ قِدَمَ علاقة العرب بالصين وأنها كانت قبل الإسلام بقرون.
قال بدر الدين حيّ الصيني:
(إن علاقة الصين بالعرب لم تكن وليدة لعصر الإسلام، بل ابتدأت قبل الإسلام بقرون، غاية الأمر أن عراها لم تكن أوثقت كما في زمن الإسلام، لكن العلاقة كانت موجودة على طريقة غير مباشرة أوَّلاً، ثم تطورت إلى علاقة مباشرة عندما قرب ظهور الإسلام... واتفقت المصادر الثلاثة: الصينية والإيرانية والرومانية، على وجود العلاقة بين العرب والصين قبل الإسلام ببضعة قرون في شكل غير مباشر... [يقصد بالشكل غير المباشر: اتصال تجار العرب بالصينيين عن طريق التجار الإيرانيين والرومانيين، كما بين ذلك في (ص: 20) من الكتاب المذكور.]
ومن المؤكد أن بلاد الصين كانت معروفة عند القرشيين قبل الإسلام، بدليل قوله عليه السلام: (اطلبوا العلم ولو بالصين) [الحديث فيه كلام طويل للعلماء، منهم من حكم عليه بالوضع، ومنهم من حكم عليه بالضعف، ومنهم من رأى أنه قد يرقى إلى رتبة الحسن، قال ابن عراق رحمه الله: (قال الحافظ المزي الشافعي: وله طرق كثيرة عن أنس، يصل مجموعها إلى مرتبة الحسن.... وفي تلخيص الواهيات للذهبي: روي عن علي وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وجابر وأنس وأبي سعيد، وبعض طرقه أوهى من بعض، وبعضها صالح، والله أعلم. تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة (1/258) وحكم عليه الألباني بالوضع (ضعيف الجامع الصغير وزياداته، ص: 129، رقم: 906، 907).]
لأنه عليه السلام لم يرتحل إلى خارج بلاد العرب، وإذا صح ما قلنا فلا نشك في أن علمه باسم الصين، قد جاء من الأخبار السائرة في جزيرة العرب في وقته، وذلك لم يكن إلا بعلاقة القرشيين بالصينيين أولا، ثم عرف هذا الاسم في بلاد العرب حتى شرفه صاحب الرسالة بذكره في الحديث).
[العلاقات بين العرب والصين، (ص: 8، 20) الطبعة الأولى، مكتبة النهضة المصرية. سنة 1370هـ ــ 1950م.، الصين وفنون الإسلام، للدكتور زكي محمد حسن (ص: 7) مطبعة المستقبل، القاهرة.]
وقال: (من الوثائق التاريخية الإسلامية علمنا أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين وسيد المرسلين، قد قال في أحد أحاديثه المشهورة: (اطلبوا العلم ولو بالصين). ويبنى على هذا الحديث الكريم ثلاثة أمور تاريخية:
أولا: أنه يثبت بهذا الحديث أن هناك نوعا من الصلات، مباشرة كانت أو غير مباشرة، بين بلاد العرب والصين، قبل ظهور الإسلام، وبفضل وجود هذه الصلة أصبح اسم الصين معروفا عند العرب، حين ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبدأ يبشر برسالته من قلب جزيرة العرب إلى كافة الناس في العالم.
ثانيا: أن الصين كانت معروفة عند العرب بأنها عظيمة الشان، وعريقة في الحضارة والمدنية، ولها آداب رفيعة وحكم عالية، غير أنها من الناحية الجغرافية بعيدة جدا من جزيرة العرب، التي فيها منزل الوحي ومهد الإسلام.
ثالثا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يشجع بحديثه هذا الصحابة وأتباع الصحابة، ومن دخل في دين الإسلام الحنيف فيما بعد على مخاطرة أنفسهم بالسفر إلى بلاد نائية، كالصين التي تقع في أقصى الشرق، لأجل طلب العلم والبحث عن الحكمة.
[تاريخ المسلمين في الصين، (ص: 15) لبدر الدين و. ل.حيّ-وهو صاحب كتاب العلاقات بين العرب والصين السابق الذكر-، دار الإنشاء للطباعة والنشر، طرابلس لبنان. وسبق تخريج الحديث.]
متى وصل الإسلام إلى الصين؟
سبق أنه يكتنف أصل سكان الصين غموض شديد، وهذا الغموض يخيم-أيضا-على أوضاع المسلمين في الصين، مما جعل الأمير "شكيب أرسلان" يقول في ذلك: (مسلمو الصين كأنهم ليسوا من هذه الدنيا، فالمعلومات عنهم قليلة، والروايات بشأنهم متناقضة، وإلى هذه الساعة لم يعرف المؤرخون كيف كان وصول الإسلام إلى الصين...كما أن الجغرافيين وعلماء الإحصاء إلى اليوم لم يتفقوا على عدد المسلمين الصينيين...) [حاضر العالم الإسلامي (2/219).].
وأسباب الغموض في أصل سكان الصين، وقد سبق ذكر شيء منها قريبا. وهي أسباب قلة المعلومات عن المسلمين الصينيين.
الروايات الواردة في وقت دخول الإسلام إلى الصين وتقويمها.
بعد هذه المقدمة التي يُعْلَمُ منها صعوبة توثيق تحديد وصول الإسلام إلى الصين، نذكر ما ورد من الروايات في ذلك، ثم نذكر ما نراه أقرب إلى الصواب-في الجملة-:
الرواية الأولى: يزعم أصحاب هذه الرواية أن الملك الثاني من أسرة "تانجTang " الملقب "تايتسونجTai Tsung " الذي تولى الحكم في الصين من سنة 627م إلى سنة 644م رأى في منامه حيوانا مفترسا يهاجمه، ولم يخلصه منه إلا رجل وقور يلبس طيلسانا وعمامة بيضاء بيده سبحة، وفسر له وزراءه ذلك بأن ثائرا سيخرج عليه، وأن الرجل الذي يخلصه منه هو نبي ولد في جزيرة العرب، فبعث الملك وفدا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يطلب منه إرسال بعثة تنشر الإسلام في الصين، فبعث ثلاثة: توفي اثنان منهم في الطريق، ووصل الثالث، فأكرمه وبنى له مسجدا في العاصمة ينطلق منه لنشر الإسلام.
وقد علق على هذه الرواية الشيخ محمد مكين بقوله: (ولكن المؤرخين لا يقيمون لهذه الرواية وزنا).
الرواية الثانية-وهي رؤيا منامية أيضا-: أن الملك الأول من أسرة "صي Sui " الملقب "ونتي Wen Ti " رأى نجما باهرا، وفسر له بأنه بظهور رجل عظيم الشأن في بلاد العرب، فأوفد رسولا للتحقق من ذلك، وطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يسافر إلى الصين، فاعتذر وأرسل معه أربعة من أصحابه، منهم خاله "سعد ابن أبي وقاص" في سنة 587م… وأن الملك أمر ببناء جامع في "كانتون Canton " سماه "جامع الشوق - أو "الـحـنـين" أو "الذكرى" - إلى النبي صلى الله عليه وسلم." ثم غادر سعد الصين، وقيل: إنه توفي في كانتون ودفن في ضاحيتها.! وسيأتي الكلام عن هذا المسجد عند ذكر ما يتعلق بالمساجد في الصين.
الرواية الثالثة: أن رجلا يدعى "ابن حمزة" خال النبي صلى الله عليه وسلم، وصل إلى الصين في سنة 632م، ومعه نسخة من القرآن الكريم، يصاحبه ثلاثة آلاف رجل من الجند، وأنهم أصدروا مرسوما دينيا حددوا فيه الآداب الإسلامية العامة. [العلاقات بين العرب والصين (ص: 150-153).]
الرواية الرابعة: أن أحد أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، ممن هاجروا إلى الحبشة عام 615م تقريبا، ويدعى: "أسعد لبيب" لم تعجبه الإقامة في الحبشة، فسافر على باخرة إلى "كانتون Canton " وقام بنشر الإسلام بين التجار العرب الذين كانوا يسكنون بها، وبخاصة الحضارم ولم تكن الدعوة الإسلامية قد وصلت إليهم.[ الدعوة الإسلامية في ماليزيا-ظهورها وانتشارها (ص: 54)، للدكتور وان حسين عزمي، والدكتور هارون دين، كلية الدراسات الإسلامية-الجامعة الوطنية الماليزية.]
؛
؛
تابع
قال بدر الدين حيّ الصيني:
(إن علاقة الصين بالعرب لم تكن وليدة لعصر الإسلام، بل ابتدأت قبل الإسلام بقرون، غاية الأمر أن عراها لم تكن أوثقت كما في زمن الإسلام، لكن العلاقة كانت موجودة على طريقة غير مباشرة أوَّلاً، ثم تطورت إلى علاقة مباشرة عندما قرب ظهور الإسلام... واتفقت المصادر الثلاثة: الصينية والإيرانية والرومانية، على وجود العلاقة بين العرب والصين قبل الإسلام ببضعة قرون في شكل غير مباشر... [يقصد بالشكل غير المباشر: اتصال تجار العرب بالصينيين عن طريق التجار الإيرانيين والرومانيين، كما بين ذلك في (ص: 20) من الكتاب المذكور.]
ومن المؤكد أن بلاد الصين كانت معروفة عند القرشيين قبل الإسلام، بدليل قوله عليه السلام: (اطلبوا العلم ولو بالصين) [الحديث فيه كلام طويل للعلماء، منهم من حكم عليه بالوضع، ومنهم من حكم عليه بالضعف، ومنهم من رأى أنه قد يرقى إلى رتبة الحسن، قال ابن عراق رحمه الله: (قال الحافظ المزي الشافعي: وله طرق كثيرة عن أنس، يصل مجموعها إلى مرتبة الحسن.... وفي تلخيص الواهيات للذهبي: روي عن علي وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وجابر وأنس وأبي سعيد، وبعض طرقه أوهى من بعض، وبعضها صالح، والله أعلم. تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة (1/258) وحكم عليه الألباني بالوضع (ضعيف الجامع الصغير وزياداته، ص: 129، رقم: 906، 907).]
لأنه عليه السلام لم يرتحل إلى خارج بلاد العرب، وإذا صح ما قلنا فلا نشك في أن علمه باسم الصين، قد جاء من الأخبار السائرة في جزيرة العرب في وقته، وذلك لم يكن إلا بعلاقة القرشيين بالصينيين أولا، ثم عرف هذا الاسم في بلاد العرب حتى شرفه صاحب الرسالة بذكره في الحديث).
[العلاقات بين العرب والصين، (ص: 8، 20) الطبعة الأولى، مكتبة النهضة المصرية. سنة 1370هـ ــ 1950م.، الصين وفنون الإسلام، للدكتور زكي محمد حسن (ص: 7) مطبعة المستقبل، القاهرة.]
وقال: (من الوثائق التاريخية الإسلامية علمنا أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين وسيد المرسلين، قد قال في أحد أحاديثه المشهورة: (اطلبوا العلم ولو بالصين). ويبنى على هذا الحديث الكريم ثلاثة أمور تاريخية:
أولا: أنه يثبت بهذا الحديث أن هناك نوعا من الصلات، مباشرة كانت أو غير مباشرة، بين بلاد العرب والصين، قبل ظهور الإسلام، وبفضل وجود هذه الصلة أصبح اسم الصين معروفا عند العرب، حين ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبدأ يبشر برسالته من قلب جزيرة العرب إلى كافة الناس في العالم.
ثانيا: أن الصين كانت معروفة عند العرب بأنها عظيمة الشان، وعريقة في الحضارة والمدنية، ولها آداب رفيعة وحكم عالية، غير أنها من الناحية الجغرافية بعيدة جدا من جزيرة العرب، التي فيها منزل الوحي ومهد الإسلام.
ثالثا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يشجع بحديثه هذا الصحابة وأتباع الصحابة، ومن دخل في دين الإسلام الحنيف فيما بعد على مخاطرة أنفسهم بالسفر إلى بلاد نائية، كالصين التي تقع في أقصى الشرق، لأجل طلب العلم والبحث عن الحكمة.
[تاريخ المسلمين في الصين، (ص: 15) لبدر الدين و. ل.حيّ-وهو صاحب كتاب العلاقات بين العرب والصين السابق الذكر-، دار الإنشاء للطباعة والنشر، طرابلس لبنان. وسبق تخريج الحديث.]
متى وصل الإسلام إلى الصين؟
سبق أنه يكتنف أصل سكان الصين غموض شديد، وهذا الغموض يخيم-أيضا-على أوضاع المسلمين في الصين، مما جعل الأمير "شكيب أرسلان" يقول في ذلك: (مسلمو الصين كأنهم ليسوا من هذه الدنيا، فالمعلومات عنهم قليلة، والروايات بشأنهم متناقضة، وإلى هذه الساعة لم يعرف المؤرخون كيف كان وصول الإسلام إلى الصين...كما أن الجغرافيين وعلماء الإحصاء إلى اليوم لم يتفقوا على عدد المسلمين الصينيين...) [حاضر العالم الإسلامي (2/219).].
وأسباب الغموض في أصل سكان الصين، وقد سبق ذكر شيء منها قريبا. وهي أسباب قلة المعلومات عن المسلمين الصينيين.
الروايات الواردة في وقت دخول الإسلام إلى الصين وتقويمها.
بعد هذه المقدمة التي يُعْلَمُ منها صعوبة توثيق تحديد وصول الإسلام إلى الصين، نذكر ما ورد من الروايات في ذلك، ثم نذكر ما نراه أقرب إلى الصواب-في الجملة-:
الرواية الأولى: يزعم أصحاب هذه الرواية أن الملك الثاني من أسرة "تانجTang " الملقب "تايتسونجTai Tsung " الذي تولى الحكم في الصين من سنة 627م إلى سنة 644م رأى في منامه حيوانا مفترسا يهاجمه، ولم يخلصه منه إلا رجل وقور يلبس طيلسانا وعمامة بيضاء بيده سبحة، وفسر له وزراءه ذلك بأن ثائرا سيخرج عليه، وأن الرجل الذي يخلصه منه هو نبي ولد في جزيرة العرب، فبعث الملك وفدا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يطلب منه إرسال بعثة تنشر الإسلام في الصين، فبعث ثلاثة: توفي اثنان منهم في الطريق، ووصل الثالث، فأكرمه وبنى له مسجدا في العاصمة ينطلق منه لنشر الإسلام.
وقد علق على هذه الرواية الشيخ محمد مكين بقوله: (ولكن المؤرخين لا يقيمون لهذه الرواية وزنا).
الرواية الثانية-وهي رؤيا منامية أيضا-: أن الملك الأول من أسرة "صي Sui " الملقب "ونتي Wen Ti " رأى نجما باهرا، وفسر له بأنه بظهور رجل عظيم الشأن في بلاد العرب، فأوفد رسولا للتحقق من ذلك، وطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يسافر إلى الصين، فاعتذر وأرسل معه أربعة من أصحابه، منهم خاله "سعد ابن أبي وقاص" في سنة 587م… وأن الملك أمر ببناء جامع في "كانتون Canton " سماه "جامع الشوق - أو "الـحـنـين" أو "الذكرى" - إلى النبي صلى الله عليه وسلم." ثم غادر سعد الصين، وقيل: إنه توفي في كانتون ودفن في ضاحيتها.! وسيأتي الكلام عن هذا المسجد عند ذكر ما يتعلق بالمساجد في الصين.
الرواية الثالثة: أن رجلا يدعى "ابن حمزة" خال النبي صلى الله عليه وسلم، وصل إلى الصين في سنة 632م، ومعه نسخة من القرآن الكريم، يصاحبه ثلاثة آلاف رجل من الجند، وأنهم أصدروا مرسوما دينيا حددوا فيه الآداب الإسلامية العامة. [العلاقات بين العرب والصين (ص: 150-153).]
الرواية الرابعة: أن أحد أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، ممن هاجروا إلى الحبشة عام 615م تقريبا، ويدعى: "أسعد لبيب" لم تعجبه الإقامة في الحبشة، فسافر على باخرة إلى "كانتون Canton " وقام بنشر الإسلام بين التجار العرب الذين كانوا يسكنون بها، وبخاصة الحضارم ولم تكن الدعوة الإسلامية قد وصلت إليهم.[ الدعوة الإسلامية في ماليزيا-ظهورها وانتشارها (ص: 54)، للدكتور وان حسين عزمي، والدكتور هارون دين، كلية الدراسات الإسلامية-الجامعة الوطنية الماليزية.]
؛
؛
تابع