من طرف ayoub-islam الخميس 23 أغسطس 2007 - 14:18
فصل في أحكام الزيارة وآدابها
--------------------------------------------------------------------------------
فصل في أحكام الزيارة وآدابها
وتسن زيارة مسجد النبي – صلى الله عليه وسلم – قبل الحج أو بعده؛ لما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال: رسول الله – صلى الله عليه وسلم "صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام"، وعن ابن عمر – رضي الله عنهما -، أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: "صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواهُ إلا المسجد الحرام" رواه مسلم، وعن عبد الله بن الزبير – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: "صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاةٍ في مسجدي هذا" أخرجه أحمد وابن خزيمة، وابن حبان. وعن جابر – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: "صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه ، إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه " أخرجه أحمد، وابن ماجة. والأحاديث في هذا المعنى كثيرة .
فإذا وصل الزائر إلى المسجد استحب له أن يقدم رجله اليمنى عند دخوله ، ويقول : "بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم، اللهم افتح لي أبواب رحمتك" كما يقول ذلك عند دخول سائر المساجد، وليس لدخول مسجده – صلى الله عليه وسلم – ذكر مخصوص، ثم يصلي ركعتين فيدعو الله فيهما بما أحب من خيري الدنيا والآخرة ، وإن صلاهما في الروضة الشريفة فهو أفضل؛ لقوله – صلى الله عليه وسلم -: "ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة "، ثم بعد الصلاة يزور قبر النبي – صلى الله عليه وسلم -، وقبري صاحبيه: أبي بكر وعمر – رضي الله عنهما -، فيقف تجاه قبر النبي – صلى الله عليه وسلم – بأدب وخفض صوت، ثم يسلم عليه – عليه الصلاة والسلام – قائلاً: "السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته"؛ لما في سنن أبي داود بإسناد حسن، عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رســول الله – صلى الله عليه وسلم -: "ما من أحدٍ يُسلم عليَّ إلا رَدَّ الله عليَّ روحي حتى أرُدَّ عليه السلام"، وإن قال الزائر في سلامه: "السلام عليك يا نبي الله، السلام عليكم يا خيرة الله من خلقه، السلام عليكم يا سيد المرسلين وإمام المتقين، أشهد أنك قد بلغت الرسالة وأديت الأمانة ونصحت الأمة وجاهدت في الله حق جهاده " فلا بأس بذلك؛ لأن هذا كله من أوصافه – صلى الله عليه وسلم -، ويصلي عليه – عليه الصلاة والسلام – ويدعو له؛ لما قد تقرر في الشريعة من شرعية الجمع بين الصلاة والسلام عليه؛ عملاً بقوله تعالى: "إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً" ثم يُسلم على أبي بكر وعمر – رضي الله عنهما – ويدعو لهما، ويترضى عنهما.
وكان ابن عمر – رضي الله عنهما – إذا سلم على الرسول – صلى الله عليه وسلم – وصاحبيه، لا يزيد غالباً على قوله: "السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا أبتاه" ثم ينصرف.
وهذه الزيارة إنما تشرع في حق الرجال خاصة، أما النساء فليس لهن زيارة شيء من القبور، كما ثبت عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه لعن زوارات القبور من النساء والمتخذين عليها المساجد والسُّرج.
وأما قصد المدينة للصلاة في مسجد الرسول – صلى الله عليه وسلم -، والدعاء فيه، ونحو ذلك مما يشرع في سائر المساجد، فهو مشروع في حق الجميع؛ لما تقدم من الأحاديث في ذلك.
ويُسن للزائر أن يصلي الصلوات الخمس في مسجد الرسول – صلى الله عليه وسلم – وأن يكثر فيه من الذكر والدعاء وصلاة النافلة ؛ اغتناماً لما في ذلك من الأجر الجزيل .
ويُستحب أن يكثر من صلاة النافلة في الروضة الشريفة ؛ لما سبق من الحديث الصحيح في فضلها ، وهو قول النبي – صلى الله عليه وسلم - :"ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة".
أما صلاة الفريضة فينبغي للزائر وغيره أن يتقدم إليها، ويحافظ على الصف الأول مهما استطاع، وإن كان في الزيادة القبلية؛ لما جاء في الأحاديث الصحيحة عن النبي – صلى الله عليه وسلم – من الحث والترغيب في الصف الأول، مثل قوله – صلى الله عليه وسلم - : " لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا" متفق عليه، ومثل قوله – صلى الله عليه وسلم – لأصحابه: "تقدموا فأتموا بي وليأتم بكم من بعدكم، ولا يزال الرجل يتأخر عن الصلاة حتى يؤخره الله" أخرجه مسلم، وأخرج أبو داود، عن عائشة – رضي الله عنها – بسند حسن، أن النبي – صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يزال الرجل يتأخر عن الصَّف المقدم حتى يؤخره الله في النار"، وثبت عنه – صلى الله عليه وسلم – أنه قال لأصحابه: "ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها!؟" قالوا: يا رسول الله، وكيف تصف الملائكة عند ربها!؟ قال: "يُتمون الصفوف الأول، ويتراصون في الصف" رواه مسلم.
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، وهي تعم مسجده – صلى الله عليه وسلم – وغيره قبل الزيادة وبعدها، وقد صح عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه كان يحث أصحابه على ميامن الصفوف، ومعلوم أن يمين الصف في مسجده الأول خارج الروضة، فعلم بذلك أن العناية بالصفوف الأول وميامن الصفوف مقدمة على العناية بالروضة الشريفة، وأن المحافظة عليهما أولى من المحافظة على الصلاة في الروضة، وهذا بَيَّن واضح لمن تأمل الأحاديث الواردة في هذا الباب. والله الموفق.
ولا يجوز لأحد أن يتمسح بالحجرة أو يُقَبَّلها أو يطوف بها؛ لأن ذلك لم ينقل عن السلف الصالح، بل هو بدعة منكرة .
ولا يجوز لأحد أن يسأل الرسول – صلى الله عليه وسلم – قضاء حاجة، أو تفريج كربة، أو شفاء مريض، ونحو ذلك؛ لأن ذلك كله لا يطلب إلا من الله – سبحانه-، وطلبه من الأموات شرك بالله وعبادة لغيره، ودين الإسلام مبني على أصلين:
أحدهما: ألا يعبد إلا الله وحده.
الثاني: ألا يُعبد إلا بما شرعه الله والرسول – صلى الله عليه وسلم - .
وهذا معنى شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله.
وهذا لا يجوز لأحد أن يطلب من الرسول – صلى الله عليه وسلم – الشفاعة؛ لأنها ملك الله – سبحانه -، فلا تطلب إلا منه، كما قال – تعالى -: "قل لله الشفاعة جميعاً".
فتقول: "اللهم شفَّع فيَّ نبيك، اللهم شفَّع فيَّ ملائكتك، وعبادك المؤمنين، اللهم شفَّع فيَّ أفراطي"، ونحو ذلك. وأما الأموات فلا يُطلب منهم شيء، لا الشفاعة ولا غيرها، سواء كانوا أنبياء أو غير أنبياء؛ لأن ذلك لم يشرع، ولأن الميت قد انقطع عمله إلا مما استثناه الشارع.
وفي صحيح مسلم، عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولدٍ صالح يدعو له ".
وإنما جاز طلب الشفاعة من النبي – صلى الله عليه وسلم – في حياته ويوم القيامة؛ لقدرته على ذلك، فإنه يستطيع أن يتقدم فيسأل ربه للطالب، أما في الدنيا فمعلوم، وليس ذلك خاصَّاً به، بل هو عام له ولغيره، فيجوز للمسلم أن يقول لأخيه: اشفع لي إلى ربي في كذا وكذا، بمعنى: ادع الله لي، ويجوز للمقول له ذلك أن يسأل الله ويشفع لأخيه إذا كان ذلك المطلوب مما أباح الله طلبه.
وأما يوم القيامة فليس لأحد أن يشفع إلا بعد إذن الله – سبحانه -، كما قال الله – تعالى -: "من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه".
وأما حالة الموت فهي حالة خاصة لا يجوز إلحاقها بحال الإنسان قبل الموت ولا بحاله بعد البعث والنشور، لانقطاع عمل الميت وارتهانه بكسبه إلا ما استثناه الشارع، وليس طلب الشفاعة من الأموات مما استثناه الشارع، فلا يجوز إلحاقه بذلك، لا شك أن النبي – صلى الله عليه وسلم – بعد وفاته حي حياة برزخية أكمل من حياة الشهداء، ولكنها ليست من جنس حياته قبل الموت، ولا من جنس حياته يوم القيامة، بل حياة لا يعلم حقيقتها وكيفيتها إلا الله – سبحانه -، ولهذا تقدم في الحديث الشريف قوله – عليه الصلاة والسلام-: "ما من أحدٍ يسلَّم عليّ إلا رد الله عليَّ روحي أرد عليه السلام".
فدل ذلك على أنه ميت، وعلى أن روحه قد فارقت جسده، لكنها ترد عليه عند السلام، والنصوص الدالة على موته – صلى الله عليه وسلم – من القرآن والسنة معلومة، وهو أمر متفق عليه بين أهل العلم، ولكن ذلك لا يمنع حياته البرزخية، كما أن موت الشهداء لم يمنع حياتهم البرزخية المذكورة في قوله – تعالى -: "ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياءٌ عند ربهم يرزقون".
وإنما بسطنا الكلام في هذه المسألة، لدعاء الحاجة إليه بسبب كثرة من يُشَبَّه في هذا الباب، ويدعو إلى الشرك وعبادة الأموات من دون الله. فنسأل الله لنا ولجميع المسلمين السلامة من كل من يخالف شرعه، والله أعلم.
وأما ما يفعله بعض الزوار من رفع الصوت عند قبره – صلى الله عليه وسلم -، وطول القيام هناك فهو خلاف المشروع؛ لأن الله – سبحانه – نهى الأمة عن رفع أصواتهم فوق صوت النبي – صلى الله عليه وسلم -، وعن الجهر له بالقول كجهر بعضهم لبعض، وحثهم على غضّ الصوت عنده في قوله – تعالى -: "يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجرٌ عظيم".
ولأن طول القيام عند قبره – صلى الله عليه وسلم – والإكثار من تكرار السلام يفضي إلى الزحام وكثرة الضجيج وارتفاع الأصوات عند قبره – صلى الله عليه وسلم -، وذلك يخالف ما شرعه الله للمسلمين في هذه الآيات المحكمات، وهو – صلى الله عليه وسلم – محترم حياً وميتاً، فلا ينبغي للمؤمن أن يفعل عند قبره ما يخالف الأدب الشرعي.
وهكذا ما يفعله بعض الزوار وغيرهم من تحري الدعاء عند قبره مستقبلاً للقبر رافعاً يديه يدعو، فهذا كله خلاف ما عليه السلف الصالح من أصحاب رسول الله وأتباعهم بإحسان، بل هو من البدع المحدثات، وقد قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تَمَسكوا بها وعضُّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثةٍ بدعةٍ وكل بدعةٍ ضلالة " أخرجه أبو داود، والنسائي بإسناد حسن، وقال – صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" أخرجه البخاري، ومسلم، وفي رواية لمسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد".
ورأى عليّ بن الحسين زين العابدين – رضي الله عنهما – رجلاً يدعو عند قبر النبي – صلى الله عليه وسلم -، فنهاه عن ذلك، وقال : ألا أحدَّثك حديثاً سمعته من أبي، عن جدي، عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنه قال : " لا تتخذوا قبري عيداً، ولا بيوتكم قبوراً، وصلّوا عليَّ، فإن تسليمكم يبلغني أينما كنتم" أخرجه الحافظ محمد بن عبد الواحد المقدسي في كتابه: (الأحاديث المختارة).
وهكذا ما يفعله بعض الزوار عند السلام عليه – صلى الله عليه وسلم – من وضع يمينه على شماله فوق صدره أو تحته كهيئة المصلي فهذه الهيئة لا تجوز عند السلام عليه – صلى الله عليه وسلم -، ولا عند السلام على غيره من الملوك والزعماء وغيرهم؛ لأنها هيئة ذل وخضوع وعبادة لا تصلح إلا لله، كما حكى ذلك الحافظ ابن حجر – رحمه الله – في الفتح عن العلماء، والأمر في ذلك جلي واضح لمن تأمل المقام وكان هدفه اتباع هدي السلف الصالح.
وأما من غلب عليه التعصب والهوى والتقليد الأعمى وسوء الظن بالدعاة إلى هدي السلف الصالح فأمره إلى الله، ونسأل الله لنا وله الهداية والتوفيق لإيثار الحق على ما سواه، إنه سبحانه خير مسئول.
وكذا ما يفعله بعض الناس من استقبال القبر الشريف من بعيد وتحريك شفتيه بالسلام أو الدعاء فكل هذا من جنس ما قبله من المحدثات، ولا ينبغي للمسلم أن يحدث في دينه ما لم يأذن به الله، وهو بهذا العمل أقرب إلى الجفاء منه إلى الموالاة والصفاء، وقد أنكر الإمام مالك – رحمه الله – هذا العمل وأشباهه، وقال: "لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها" .
ومعلوم أن الذي أصلح أول هذه الأمة هو السير على منهاج النبي – صلى الله عليه وسلم- وخلفائه الراشدين وصحابته المرضيين وأتباعهم بإحسان، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا تمسكهم بذلك، وسيرهم عليه.
وفق الله المسلمين لما فيه نجاتهم وسعادتهم وعزهم في الدنيا والآخرة، إنه جواد كريم .