تذكير المسلم بما ورد في شهر الله المحرم
الحمدلله والصلاة السلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه , أما بعد: فهذه رسالة مختصرة في تذكير المسلم بما ورد في شهر الله المحرم أسال الله أن ينفع بها .لماذا سمي محرم بهذا الاسم؟
قال الحافظ ابن كثير ـ رحمه الله ـ في تفسيره ( 4/1654): ذكر الشيخ علم الدين السخاوي في جزء جمعه سماه (( المشهور في أسماء الأيام والشهور )): أن المحرم سمي بذلك لكونه شهراً محرماً . وعندي أنه سمي بذلك تأكيداً لتحريمه , لأن العرب كانت تتلعب به , فتحله عاماً وتحرمه عاماً . قال: ويجمع على محرمات , ومحارم , ومحاريم )) أهـ .فضل شهر الله المحرم
قال الله تعالى: (( إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق الله السموات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين )) {التوبة: 36}.قال قتادة في قوله: { فلا تظلموا فيهن أنفسكم }: (( إن الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووزراً من الظلم فيما سواها , وإن كان الظلم على كل حالٍ عظيماً , ولكن الله يعظَّم من أمره ما يشاء )) أهـ ـ تفسير ابن كثير { 4 / 1656} .
1) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( أفضل الصيام بعد رمضان صيام شهر الله المحرم , وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل )) أخرجه مسلم{1163}.
2) عن جندب بن سفيان رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( إن أفضل الصلاة بعد المفروضة الصلاة في جوف الليل , وأفضل الصيام بعد رمضان شهر الله الذي تدعونه المحرم )) رواه النسائي والطبراني وصححه لغيره العلامة الألباني ـ رحمه الله تعالى ـ في صحيح الترغيب {1/ 592 رقم 1016}.
قال الحافظ ابن رجب الحنبلي ـ رحمه الله تعالى ـ في لطائف المعارف {ص77}: (( وهذا الحديث صريح في إن أفضل ما تطوع به من الصيام بعد رمضان صوم شهر الله المحرم .. )) أهـ .
وقال أيضاً {ص81}: (( وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم المحرم شهر الله . وإضافته إلى الله تدل على شرفه وفضله , فإن الله تعالى لا يضيف إليه إلا خواص مخلوقاته .. )) أهـ .
ما هو يوم عاشوراء
الصحيح أن يوم عاشوراء هو اليوم العاشر من شهر الله المحرم .قال الطيبي ـ رحمه الله ـ : (( وهو اليوم العاشر من المحرم )) ـ تحفة الأحوذي {3/379}ـ .
وقال الزين بن المنير ـ رحمه الله ـ : (( الأكثر على أن عاشوراء هو اليوم العاشر من شهر الله المحرم وهو مقتضى الاشتقاق والتسمية .. )) ـ تحفة الأحوذي {3/383}ـ .
وقال النووي ـ رحمه الله تعالى ـ: (( وذهب جمهور العلماء من السلف والخلف إلى أن عاشوراء هو اليوم العاشر من المحرم ... وهذا ظاهر الأحاديث ومقتضى اللفظ )) ـ شرح مسلم {8/12}ـ .
فعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: (( أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصوم عاشوراء يوم العاشر )) أخرجه الترمذي{755} وصححه العلامة الألباني في صحيح الترمذي .
أحوال النبي صلى الله عليه وسلم في صوم يوم عاشوراء
كان للنبي صلى الله عليه وسلم في صيام عاشوراء أربع حالات ـ كما ذكر الحافظ ابن رجب الحنبلي في لطائف المعارف {102ـ 108} ـ :الحالة الأولى: أنه كان يصومه بمكة ولا يأمر الناس بالصوم . ففي البخاري{2002} ومسلم {1125/ 113} عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: (( كانت قريش تصوم عاشوراء في الجاهلية وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه , فلما هاجر إلى المدينة صامه وأمر بصيامه , فلما فرض شهر رمضان قال: (( من شاء صامه ومن شاء تركه )) .
الحالة الثانية: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة ورأى صيام أهل الكتاب له وتعظيمهم له , وكان يحب موافقتهم فيما لم يؤمر به , صامه وأمر الناس بصيامه , وأكد الأمر بصيامه والحث عليه حتى كانوا يصومونه أطفالهم .
ففي البخاري {2004} ومسلم {1130} عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فوجد اليهود صياماً يوم عاشوراء فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( ما هذا اليوم الذي تصومونه؟ قالوا: هذا يومٌ عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه , وغرق فرعون وقومه , فصامه موسى شكراً فنحن نصومه , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( فنحن أحق وأولى بموسى منكم )) فصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه .
وفي البخاري{2007} ومسلم {1135/ 135} عن سلمة بن الأكوع ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم مِن أسلم يوم عاشوراء فأمره أن يؤذن في الناس: (( من كان لم يصم فليصم , ومن كان أكل فليتم صيامه إلى الليل )).
وفي البخاري{1960} ومسلم {1136/ 136} عن الربيَّع بنت معوّذ ـ رضي الله عنها ـ قالت: أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم غذاة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة (( من كان أصبح صائماً فليتم صومه , ومن كان أصبح مفطراً فليتم بقية يومه )) . فكنَّ بعد ذلك نصومه ونصوِّم صبياننا الصغار منهم نذهب إلى المسجد فنجعل لهم اللعبة من العهن فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناها إياه عند الإفطار . وفي رواية لمسلم{1136/ 137}: (( فإذا سألونا الطعام أعطيناهم اللعبة تلهيهم حتى يتموا صومهم )) .
الحالة الثالثة: إنه لما فرض صيام شهر رمضان ترك النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه بصيام يوم عاشوراء وتأكيده فيه , وقد سبق حديث عائشة في ذلك .
وفي البخاري{1892} ومسلم{1126} عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: (( صام النبي صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء وأمر بصيامه فلما فرض رمضان ترك ذلك )).
وفي رواية لمسلم{1126} أن أهل الجاهلية كانوا يصومون يوم عاشوراء وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم صامه والمسلمون قبل أن يفترض رمضان , فلما افترض رمضان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( إن يوم عاشوراء يومٌ من أيام الله , فمن شاء صامه ومن شاء تركه )) .
وفي رواية لمسلم{1126/118}: (( فمن أحب منكم أن يصومه فليصمه , ومن كره فليدعه )) .
وعن معاوية بن أبي سفيان ـ رضي الله عنه ـ قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( هذا يوم عاشوراء ولم يكتب الله عليكم صيامه , وأنا صائمٌ فمن أحب منكم أن يصوم فليصم , ومن أحب أن يفطر فليفطر )) أخرجه البخاري{2003} ومسلم {1129/126} .
وعن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ أنه قال في يوم عاشوراء: (( هو يومٌ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه قبل أن ينزل رمضان فلما نزل شهر رمضان ترك )) أخرجه مسلم{1127} .
الحالة الرابعة: أن النبي صلى الله عليه وسلم عزم في آخر عمره على ألا يصومه مفرداً بل يضم إليه يوماً آخر مخالفةً لأهل الكتاب في صيامه . ففي صحيح مسلم{1134/133} عن ابن عباس ـ رضي الله عنهماـ أنه قال حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا: يا رسول إنه يومٌ تعظمه اليهود والنصارى . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( فإذا كان العام المقبل ـ إن شاء الله ـ صمنا اليوم التاسع )) . قال: فلم يأتِ العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وفي رواية لمسلم{1134/134} عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( لئن بقيت إلى قابلٍ لأصومن التاسع )) .
حكم صوم يوم عاشوراء
صوم يوم عاشوراء ـ اليوم العاشر من محرم ـ مستحب . قال النووي ـ رحمه الله تعالى ـ في شرح مسلم{8/9}: (( اتفق العلماء على أن صوم يوم عاشوراء اليوم سنة ليس بواجب )) , قال الحافظ ابن رجب الحنبلي ـ رحمه الله تعالى ـ في لطائف المعارف {ص 106}: (( وأكثر العلماء على استحباب صيامه من غير تأكيد )) .
قال العلامة الألباني ـ رحمه الله ـ في تعليقه على الترغيب والترهيب للمنذري ـ حاشية {1/ 593}: (( واتفق العلماء على أن صوم يوم عاشوراء الآن سنة ليس بواجب . وأما التوسعة والكحل فمن المحدثات )) أهـ .
فضل صوم يوم عاشوراء
1ـ عن أبي قتادة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صيام يوم عاشوراء؟ فقال: (( يكفر السنة الماضية )) أخرجه مسلم{1162/197} وأبو داود{2425} وابن ماجه {1713/1730/1838} بلفظٍ قال: (( صيام يوم عاشوراء إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله )) صححه العلامة الألباني في صحيح الترغيب {1/593} برقم {1027} .2ـ عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: (( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صام يوم عاشوراء وأمر بصيامه )) أخرجه البخاري {2004} ومسلم {1130/128} .
3ـ عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أنه سئل عن صيام يوم عاشوراء؟ فقال: (( ما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صام يوماً يطلب فضله على الأيام إلا هذا اليوم ولا شهراً إلا هذا الشهر . يعني رمضان )) أخرجه مسلم {1132/ 131} .
4ـ عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : (( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يتوخى فضل يوم على يوم بعد رمضان إلا عاشوراء )) رواه الطبراني في الأوسط وحسنه لغيره العلامة الألباني في صحيح الترغيب {1/53} رقم {1020} .
5ـ عن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( من صام يوم عرفة , غفر الله له سنة أمامه , وسنة خلفه , ومن صام عاشوراء غفر له سنة )) رواه البزار وصححه لغيره العلامة الألباني في صحيح الترغيب {1/594} رقم {1021} .