إخوتي ؛
- رعاكُمُ الرّحمن –
جُمعت لكم – بحول ومنّ منه سُبحانه – هذي الزوادة، لكل من نوى الحج،
وذا موضوع؛
أحسب أنه جامع لكل ما يحتاجه الحاجّ والحاجّة
من مسائل وفتاوى مُتعلّقة بالحجّ .
عسى الله عزّ وجلّ ؛
أن ييسر لكل من توجه صوب البيت العتيق،
حجه ويتقبله منه، وأن يكتب لمن لمّا يزل ذاك مجمع أمانيه،
ومُبتغاه الذي هو راجيه.
أوراقُ حاج
أُخيّ الحاجّ أخيّتي الحاجّة؛
السّلام عليكُم ورحمة الله تعالى وبركاتُه
هذه أوراق حاجّ؛
نبعثها إلى روحك مفعمةً بطيب المشاعر،
وقدسيّة الشعائر إنَّها رسائل تقدير لكلّ حاج يحدوه الأمل ؛
نحو هذه البقاع المُباركة والدّيار المُقدّسة؛
ليُؤكد الولاء لله تعالى، ويصدَّق الانتماء لهذه الأمة؛
برغبة طلب العفو والصفح من الله جلّ وعلا،
فيسعى مع إخوانه المُؤمنين نحو السّعادة في الطاعة ونبذ المعصية.
الورقة الأولى "أصل وأساس "
الحج خامس أركان الإسلام التي تُبنى عليها كما في الحديث :
" بُنيَ الإسلامُ على خمس وذكر منها حج بيت الله الحرام "،
فهو أصلٌ عظيم تتألف فيه القلوب،
وتذوب به كآفة الفوارق.
وتتحطم معه مسافات الحدود، لا فرق بين عربي ولا عجمي،
ولا غني وفقير ولا كبير وصغير ولا مأمورٍ وأمير بل الجميع يقف بالمشاعر المقدسة،
بإحرام واحدٍ وهدفٍ وهم واحد.
الحج .. أصلٌ في الدين.. وأصلٌ في زوال الفوارق الدنيوية.
وأصلٌ في التوجه والمعتقد..
وأصلٌ في الأمنية والرجاء.
وأصلٌ في الخروج من الشرك وأهله،
وأصلٌ في التطهر من الذنب والخطيئة؛ ففي الحديث :
" من حج البيت فلم يرفث أو يفسق؛
عاد من ذنوبه كيوم ولدته أمه "
وأصلٌ لدخول الجنة والنجاة من النار .
قال صلى الله عليه وسلم: "الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة "
وقال: "ما من يوم يعتق الله عبيده من النار من يوم عرفة "
أخي الحاجّ؛ الحج أصلٌ لأعمال عظيمة شرّفك الله به؛
فــ لا تدخر وسعاً في بذل الجهد في نيلها،
والفوز بها وبفضلها وأفضالها.
فالفرصة بين يديك والهدف موجود والعاقبة محمودة.
الورقة الثانية " بشارة"
جاءت نصوص السنة النبوية ببشارات نرسلها لكل حاجٍّ وحاجة،
ونهديها بأصدق الدعاء أن يكونوا من أهلها.
.1 دخل عمرو بن العاص رضي الله عنه ؛
ليعلن إسلامه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمرو:
أبسط يمينك؛ لأبايعك فبسط رسول الله يده فقبضها عمرو.
فقال الرسول صلى الله عليه وسلم :
( مالك يا عمرو ؟ ) قال: أردت أن اشترط !
قال : تشترط ماذا ؟
قال: أن يغفر لي قال:
"ما علمت يا عمرو أنَّ الإسلام يهدم ما قبله.
وأنَّ الحج يهدم ما كان قبله ."
.2 روى الطبرانيّ في الكبير وحسنه الألبانيّ.
عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" أما خروجك من بيتك تؤم البيت الحرام فإن لك بكل وطأة تطؤها راحلتك؛
يكتب الله لك بها حسنة، ويمحو عنك بها سيئة ،
وأما وقوفك بعرفة فإن الله عزّ وجلّ ينزل إلى السماء الدنيا،
فيباهي بهم الملائكة فيقول هؤلاء عبادي جاؤني شعثاً غبراً من كل فج عميق؛
يرجون رحمتي ويخافون عذابي ولم يروني فكيف لو رأوني ؟
فلو كان عليك مثل أيام الدنيا أو مثل قطر السماء ذنوباً غسلها الله عنك وأما رميك الجمار؛
فإنه مدخور لك وأما حلق رأسك فلك بكل شعرة تسقط حسنة،
فإذا طفت بالبيت خرجت من ذنوبك كيوم ولدتك أمك"
فما رأيك؟
الورقة الثالثة " ثروة لا فقر بعدها "
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"تابعوا بين الحج والعمرة؛
فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة»
( رواه الترمذي[/COLOR )
الحج طريق الغنى وأمان من الفقر بنص الحديث فمهما بذل الحاج من الأموال؛
فهي مخلوفة أضعافاً مضاعفة بل إنَّ الحج صمام أمان من العوز والحاجة،
ولئن كانت المواصلات حديثة ومريحة،
والخيام ضخمة وعظيمة تؤمن للحاج الإقامة الهادئة والعبادة الخاشعة،
فإنَّ ذلك يجعل الأمانة أعظم في تحري الهدف المنشود،
أما التأسف أو التسويف بعدم الحجّ؛
خوفاً من الفقر أو الإزدحام أو الحر أو البرد فهذا نقص مخل وتثبيط من الشيطان.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
( من كان له جزه ولم يحجّ؛
فاضربوا عليه الجزية ما هو بمسلم )
( رواه البيهقي ّ)
أُخيّ الحاجّ ...أُخيّتي الحاجّة..
الحج ثروةٌ طائلة لك في الدنيا وبعد الممات، فمن يعلم وأنت تؤخر الحج خوفاً من الفقر،
أن تكون في عامك المقبل من أصحاب الأجداث والبلى في عداد الغرباء والأموات.
تذكر وعجلي وسجلي في ركاب الحجاج،
قبل فوات الأوان فالثروة معروضة والوعد من الله والضامن رسوله صلى الله عليه وسلم والشهود ملائكته،
والمكان مكة والجزاء الغنى في الدنيا،
والعاقبة الجنّة في الآخرة.
الورقة الرابعة" السلف الصالح "
أنموذج مضى في حياة من جاء بعدهم فهذا رسول الله أفضل البشرية وازكي البرية كان ينادي في الحجاج : "خذوا عني مناسككم "
وكفى لنقف مع ثلة مباركة من السّلف الصالح منها :
أنس بن مالك .. أحرم من ذات عرق؛
فما سُمع متكلماً إلا بذكر الله حتى رحل .
القاضي شُريح.. كان إذا أحرم؛
كأنه حية صمّاء!
سُفيان الثوريّ ..لا يفتر لسانه من الأمر بالمعروف والنهّي عن المُنكر .. ذاهباً وراجعاً .
الفضل بن عياض .. كان بعرفة،
يبكي وهو جاث على رُكبتيه وعيناه تهملان!
بكر بن عبدالله المُزنيّ قال:
لولا أنّي في الحجيج؛ لقلت قد غُفر لهم .
الأوزاعي .. ّكان يذكر الله على كل حالٍ خاشعاً متذللاً!
لله؛ ما أعظمها من عبادة في كل وقت وحين؛
فتأمل!
يا رعاك الله تعالى!
الورقة الخامسة" كلمات نورية"
في السنة العاشرة من الهجرة حج رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي اليوم التاسع من ذي الحجة ،
اجتمع حوله الناس نحو (150) ألف فألقى فيهم خطبته الشهيرة وكان منها :
"أيُها الناس اسمعوا قولي .
فإني لا أدري لعلي ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبداً،
إنَّ دمائكم وأموالكم حرامٌ عليكم؛
كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا،
الا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع.
ودماء الجاهلية موضوعة وإنَّ أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث .
وربا الجاهلية موضوع وأول رباً أضع من ربانا:
ربا عباس بن عبدالمطلب،
فإنه موضوع كله .
فاتقوا الله في النساء ..
فإنكم أخذتموهنَّ بأمانة الله...
تركت فيكم ما لن تضلوا بعده ،
أن اعتصمتم به كتاب الله .
أيها الناس إنه لا نبي بعدي ولا أمةً بعدكم؛
ألا باعبدوا ربكم وصلوا خمسكم،
وصوموا شهركم وأدوا زكاة أموالكم طيبة بها أنفسكم ،
وتحجون بيت ربكم واطيعوا
وُلاة أمركم تدخلوا جنة ربكم
وأنتم تسألون عني، فــ ما أنتم قائلون ؟"
قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت.
فقال باصبعه السّبابة يرفعها إلى السّماء .. وينكثها إلى الناس:
" اللّهم أشهد"
( ثلاث مرّات )