أصل العرب ومادة الإسلام عبدالهادي بن أحمد بن عبدالهادي الدُّريدي الأثبجي
بكالوريوس الدراسات القرآنية
إن الحمد لله، نحمده ،ونستعينه، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله،صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانه إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
قال رابع الخلفاء الراشدون الخليفة الراشد المهدي الحيدرة أمير المؤمنين الصحابي الجليل أباالحسن علي بن أبي طالب بن عبدالمطلب القرشي الهاشمي-رضي الله عنه وأرضاه-.
((وقِيمةُ المرْءِ مَا قَدْ كان يُحْسِنُه))
النَّاسُ مِنْ جِهَةِ التَّمْثِيلِ أَكْفَاءُ * أَبُوْهُمُ آدَمُ والـأُمُّ حَوَّاءُ
نَفْسٌ كَنَفْسٍ وأرواحٌ مُشاكلَةٌ * وأَعْظُمٌ خُلِقَتْ فيها وأعضاءُ
وإِنَّما أُمَّهاتُ النَّاسِ أَوْعِيَةٌ * مُسْتَودعاتٌ وللـأَحْسَابِ آباءُ
فإنْ يَكُنْ لـهُمُ مِنْ أَصْلِهم شَرَفٌ * يُفاخِرونَ بهِ فالطِّيْنُ والماءُ
ما الفَضْلُ إلاَّ لـأَهْلِ العِلْمِ إنَّهُمُ * عَلَى الـهُدَى لِمَنِ اسْتَهْدَى أَدِلاَّءُ
وقِيمةُ المرْءِ مَا قَدْ كان يُحْسِنُه * وللرِجَالِ على الـأفعالِ أَسْماءُ
وضدُّ كلِّ امرىءٍ ما كَانَ يَجْهَلُه * والجَاهِلونَ لـأَهْلِ العِلْمِ أَعْدَاءُ
وإنْ أَتَيْتَ بُجُودٍ من ذوي نَسَبٍ * فإنَّ نسبَتَنَا جُودٌ وعَلْيَاءُ
ففُزْ بِعِلْمٍ ولاَ تَطْلُبْ بهِ بَدلاً * فالناسُ مَوْتى وأَهْلُ العِلْمِ أَحْياءُ
ومما لا يصدق أن أكثر الناس اليوم ممن قل علمهم ووهنت درايتهم ظنوا ظن الخراصون بأن أصل العرب هم اليمن ، و خروج العرب فقط كان من اليمن ، وإن بينة لهم الأدلة الدامغة بأن أصل العرب ومادة الإسلام هم عرب بني معد بن عدنان وأعرابها، وبعض اليمانية المهاجرة من اليمن إلى نجد والحجاز دخل معك في مراء وجدل عقيم و ومكابرة وحمية جاهلية بلا بصيرة ولا تفكر واستنقاص بعرب معد بن عدنان -قاتلهم الله- ، وللمرء الباحث المنصف الجمع والتحقق وترك مايردده المتشدقة وأهل القيل والقال حول من هم أصل العرب ومادة الإسلام على التحقيق ؛ وتفنيد آراء المتعصبة الجهال ممن يزعم بأن أهل سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان أصل العرب، وكأن هذا الرأي صار من المسلمات لا يصح دفعه، ورده على قائله ومبتدعه، وهذه المقولة الكاذبة التي تفوح منها نتن الحمية الجاهلية ، ويؤجج شررها كل إمعة مأفون ومائق ، بل لم تنتشر إلا في سنين ضعف الخلافة الأموية وسقوطها ، وزخمها في أعوام ظهور قوة الخلافة العباسية وكثرة الفتن في ولاياتها ، ورسوخها في أذهان مسلمة العرب والعجم على السواء إلى اليوم-حاشا أهل العلم الراسخين في العلم والدين والتاريخ ؛ والمثقفين وعلية القوم .
وفي هذا المقال ابين أقوال أهل العلم والدراية والرواية وأدلتهم الدماغة على أن عرب بني معد بن عدنان وأعرابهم هم أصل العرب ومادة الإسلام بلا نقاش ولا منازعة في أمر مفروغاً منه ومن تعرب في باديتهم من كهلان بن سبأ من يعرب بن قحطان فقط
* أصل العرب ومادة الإسلام هم الأعراب البادية بني معد بن عدنان حاشا قريش الحرم التاجرة الحاضرة الصناديد وما جاورها من قبائل بني معد :
جاء في حديث مقتل عمر الفاروق-رضي الله عنه- الطويل وفيه " ... وَجَاءَتْ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ حَفْصَةُ وَالنِّسَاءُ تَسِيرُ مَعَهَا فَلَمَّا رَأَيْنَاهَا قُمْنَا فَوَلَجَتْ عَلَيْهِ فَبَكَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً، وَاسْتَأْذَنَ الرِّجَالُ فَوَلَجَتْ دَاخِلًا لَهُمْ فَسَمِعْنَا بُكَاءَهَا مِنْ الدَّاخِلِ، فَقَالُوا:" أَوْصِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اسْتَخْلِفْ" قَالَ: مَا أَجِدُ أَحَدًا أَحَقَّ بِهَذَا الْأَمْرِ مِنْ هَؤُلَاءِ النَّفَرِ، أَوْ الرَّهْطِ الَّذِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ عَنْهُمْ رَاضٍ فَسَمَّى عَلِيًّا وَعُثْمَانَ وَالزُّبَيْرَ وَطَلْحَةَ وَسَعْدًا وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ، وَقَالَ:
"يَشْهَدُكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ كَهَيْئَةِ التَّعْزِيَةِ لَهُ فَإِنْ أَصَابَتْ الْإِمْرَةُ سَعْدًا فَهُوَ ذَاكَ، وَإِلَّا فَلْيَسْتَعِنْ بِهِ أَيُّكُمْ مَا أُمِّرَ فَإِنِّي لَمْ أَعْزِلْهُ عَنْ عَجْزٍ وَلَا خِيَانَةٍ، وَقَالَ: أُوصِي الْخَلِيفَةَ مِنْ بَعْدِي بِالْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ أَنْ يَعْرِفَ لَهُمْ حَقَّهُمْ وَيَحْفَظَ لَهُمْ حُرْمَتَهُمْ، وَأُوصِيهِ بِالْأَنْصَارِ خَيْرًا الَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَنْ يُقْبَلَ مِنْ مُحْسِنِهِمْ وَأَنْ يُعْفَى عَنْ مُسِيئِهِمْ، وَأُوصِيهِ بِأَهْلِ الْأَمْصَارِ خَيْرًا، فَإِنَّهُمْ رِدْءُ الْإِسْلَامِ وَجُبَاةُ الْمَالِ وَغَيْظُ الْعَدُوِّ وَأَنْ لَا يُؤْخَذَ مِنْهُمْ إِلَّا فَضْلُهُمْ عَنْ رِضَاهُمْ، وَأُوصِيهِ بِالْأَعْرَابِ خَيْرًا فَإِنَّهُمْ أَصْلُ الْعَرَبِ وَمَادَّةُ الْإِسْلَامِ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ حَوَاشِي أَمْوَالِهِمْ وَيُرَدَّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ وَأُوصِيهِ بِذِمَّةِ اللَّهِ وَذِمَّةِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُوفَى لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ وَأَنْ يُقَاتَلَ مِنْ وَرَائِهِمْ وَلَا يُكَلَّفُوا إِلَّا طَاقَتَهُمْ".
.... فَلَمَّا فُرِغَ مِنْ دَفْنِهِ اجْتَمَعَ هَؤُلَاءِ الرَّهْطُ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: اجْعَلُوا أَمْرَكُمْ إِلَى ثَلَاثَةٍ مِنْكُمْ.
فَقَالَ الزُّبَيْرُ: قَدْ جَعَلْتُ أَمْرِي إِلَى عَلِيٍّ. فَقَالَ طَلْحَةُ: قَدْ جَعَلْتُ أَمْرِي إِلَى عُثْمَانَ. وَقَالَ سَعْدٌ: قَدْ جَعَلْتُ أَمْرِي إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ.
فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: أَيُّكُمَا تَبَرَّأَ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ فَنَجْعَلُهُ إِلَيْهِ وَاللَّهُ عَلَيْهِ وَالْإِسْلَامُ لَيَنْظُرَنَّ أَفْضَلَهُمْ فِي نَفْسِهِ فَأُسْكِتَ الشَّيْخَانِ.
فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: أَفَتَجْعَلُونَهُ إِلَيَّ وَاللَّهُ عَلَيَّ أَنْ لَا آلُ عَنْ أَفْضَلِكُمْ؟ قَالَا: نَعَمْ.
فَأَخَذَ بِيَدِ أَحَدِهِمَا فَقَالَ لَكَ: قَرَابَةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْقَدَمُ فِي الْإِسْلَامِ مَا قَدْ عَلِمْتَ فَاللَّهُ عَلَيْكَ لَئِنْ أَمَّرْتُكَ لَتَعْدِلَنَّ وَلَئِنْ أَمَّرْتُ عُثْمَانَ لَتَسْمَعَنَّ وَلَتُطِيعَنَّ، ثُمَّ خَلَا بِالْآخَرِ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ فَلَمَّا أَخَذَ الْمِيثَاقَ قَالَ: ارْفَعْ يَدَكَ يَا عُثْمَانُ فَبَايَعَهُ فَبَايَعَ لَهُ عَلِيٌّ وَوَلَجَ أَهْلُ الدَّارِ فَبَايَعُوهُ ".(1)
[(1) أخرجه البخاري في (3700) من حديث عمرو بن ميمون]
الشاهد قوله الخليفة الراشد المهدي عمر الفاروق بن الخطاب -رضي الله عنه- في وصيته وهي سنة مقترنة بسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- والوجوب العمل بها ((...،وَأُوصِيهِ بِالْأَعْرَابِ خَيْرًا فَإِنَّهُمْ أَصْلُ الْعَرَبِ وَمَادَّةُ الْإِسْلَامِ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ حَوَاشِي أَمْوَالِهِمْ وَيُرَدَّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ ، ...))
ولم يقل : وأوصيه باليمن خيراً فإنهم أصل العرب ومادة الإسلام...بل قال : وأوصيه بالأعراب خيراً فإنهم أصل العرب ومادة الإسلام...وسيأتي البيان من الأعراب في العرب أمعد بن عدنان أم يعرب بن قحطان -بإذن الله تعالى- ! .
وعن العرباض بن سارية -رضي الله عنه- قال : وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما بعد صلاة الغداة موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقال رجل : إن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا يا رسول الله ؟ قال : (( أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبد حبشي فإنه من يعش منكم يرى اختلافا كثيرا وإياكم ومحدثات الأمور فإنها ضلالة فمن أدرك ذلك منكم فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ ))
قال أبو عيسى : هذا حديث صحيح
وقد ورى ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن عبد الرحمن بن عمرو السلمي عن العرياض بن سارية عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا حدثا بذلك الحسن بن علي الخلال وغير واحد قالوا : حدثنا أبو عاصم عن ثور بن يزيد عن خالد بم معدان عن عبد الرحمن بن عمرو السلمي عن العرباض بن سارية عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه و العرباض بن سارية يكني أبا نجيح
وقد روي هذا الحديث عن حجر بن حجر عن عرباض بن سارية عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه
[ رواه أبو داود ( 4607) والترمذي (رقم 2676) وقال : حديث حسن صحيح ] .
*قال الإمام ابن دقيق العيد القشيري العامري المنفلوطي المصري-رحمه الله-في شرح هذا الحديث الشهير حين شرحه لكتاب (( الأربعين النووية في الأحاديث الصحيحة النبوية ))- :
( وأمر -صلى الله عليه وسلم بالثبات على سنة الخلفاء الراشدين لأمرين :
أحدهما : التقليد لمن عجز عن النظر .
والثاني : الترجيح لما ذهبوا إليه عند اختلاف الصحابة ) .أهـ.
* العرب والأعراب في لسان العرب قال ابن منظور الأنصاري الخزرجي الرويفعي التونسي-رحمه الله-
في مادة عرب :
عرب : العُرْب والعَرَب : جِيلٌ من الناس معروف، خِلافُ العَجَم، وهما واحدٌ، مثل العُجْمِ والعَجَم، مؤَنث، وتصغيره بغير هاء نادر. الـجوهري: العُرَيْب تصغير العَرَب ؛ قال أَبو الهِنْدِيّ، واسمه عَبْدُ الـمؤْمنبن عبدالقُدُّوس:
فأَمَّا البَهَطُّ وحِيتَانُكُمْ،
فما زِلْتُ فـيها كثـيرَ السَّقَمْ
وقد نِلْتُ منها كما نِلْتُمُ،
فلَـمْ أَرَ فـيها كَضَبَ هَرِمْ
وما فـي البُـيُوضِ كبَـيْضِ الدَّجاج،
وبَـيْضُ الـجَرادِ شِفاءُ القَرِمْ
ومكْنُ الضِّبابِ طَعامُ العُرَيْـ
ـبِ، لا تشْتَهيهِ نفوسُ العَجَمْ صَغَّرهم تعظيماً، كما قال: أَنا جُذَيْلُها الـمُـحَكَّكُ، وعُذَيْقُها الـمُرَجَّبُ.
والعَرَبُ العارِبة : هم الـخُـلَّصُ منهم، وأُخِذ من لَفْظه فأُكِّدَ به، كقولك لَـيلٌ لائِلٌ؛ تقول: عَرَبٌ عارِبة وعَرْباء : صُرَحاءُ. ومُتَعَرِّبة ومُسْتَعْرِبة : دُخَلاءُ، لـيسوا بخُـلَّصٍ. والعَرَبـي منسوب إِلـى العَرَب ، وإِن لـم يكن بَدَوِيّاً.
والأَعْرابـي : البَدَوِيُّ؛ وهم الأَعْراب ؛ والأَعارِيب : جمع الأَعْراب . وجاءَ فـي الشعر الفصيح الأَعارِيب ، وقـيل: لـيس الأَعْراب جمعاً لِعَرب ، كما كان الأَنْباطُ جمعاً لنَبَطٍ، وإِنما العَرَب اسم جنس. والنَّسَبُ إِلـى الأَعْراب : أَعْرابـي ، قال سيبويه: إِنما قـيل فـي النسب إِلـى الأَعْراب أَعْرابـي ، لِأَنه لا واحد له علـى هذا الـمعنى. أَلا تَرى أَنك تقول العَرَب ، فلا يكون علـى هذا الـمعنى؟ فهذا يقوّيه. وعَرَبِـي : بَـيِّنُ العُروبة والعُرُوبِـيَّة . وهما من الـمصادر التـي لا أَفعال لها. وحكى الأَزهري: رجل عَرَبـي إِذا كان نسبه فـي العَرَب ثابتاً، وإِن لـم يكن فصيحاً، وجمعه العَرَب ، كما يقال؛ رجل مـجوسيّ ويهوديّ، والـجمع، بحذف ياء النسبة، الـيَهُودُ والـمـجوسُ.
ورجل مُعْرِب إِذا كان فصيحاً، وإِن كان عَجَمِيَّ النَّسب. ورجل أَعْرَابـي ، بالأَلف، إِذا كان بَدَوِياً، صاحبَ نَـجْعَةٍ وانْتواءٍ وارْتـيادٍ للكلإِ، وتَتَبُّعٍ لـمَساقِطِ الغَيْث، وسواء كان من العَرَب أَو من مَوالـيهم. ويُجْمَعُ الأَعْرابـي علـى الأَعْراب والأَعارِيب . والأَعْرابـيُّ إِذا قـيل له: يا عَرَبـيُّ فَرِحَ بذلك وهَشَّ له. والعَرَبـيّ إِذا قـيل له: يا أَعْرابـيُّ غَضِبَ له. فَمَن نَزَل البادية، أَو جاوَرَ البَادِينَ وظَعَن بظَعْنِهم، وانْتَوَى بانْتِوائِهم: فهم أَعْراب ؛ ومَن نَزَل بلادَ الرِّيفِ واسْتَوْطَنَ الـمُدُنَ والقُرى العَربـيةَ وغيرها مـمن يَنْتمِي إِلـى العَرَب: فهم عَرَب، وإِن لـم يكونوا فُصَحاءَ. وقول الله، عز وجل: {قالت الأَعْرابُ آمَنَّا، قُلْ لـم تؤْمنوا، ولكن قولوا أَسْلَـمْنا}. فَهؤُلاء قوم من بَوادي العَرَبِ قَدِمُوا علـى النبـيصلى الله عليه وسلم الـمدينةَ، طَمَعاً فـي الصَّدَقات، لا رَغْبةً فـي الإِسلام، فسماهمالله تعالـى الأَعْرابَ؛ ومثلهم الذين ذكرهمالله فـي سورة التوبة، فقال: {الأَعْرابُ أَشدّ كفراً ونِفاقاً}؛ الآية. قال الأَزهري: والذي لا يَفْرِقُ بـين العَرَب والأَعراب والعَرَبـي والأَعْرابـي ، ربما تَـحامَلَ علـى العَرَب بما يتأَوّله فـي هذه الآية، وهو لا يميز بـين العَرَبِ والأَعْراب، ولا يجوز أَن يقال للـمهاجرين والأَنصار أَعْرابٌ، إِنما هم عَرَبٌ لأَنهم اسْتَوطَنُوا القُرى العَرَبـية، وسَكَنُوا الـمُدُنَ، سواء منهم الناشئ بالبَدْوِ ثم اسْتَوْطَنَ القُرَى، والنَّاشِئُ بمكة ثم هاجر إِلـى الـمدينة، فإِن لَـحِقَتْ طائفةٌ منهم بأَهل البَدْوِ بعد هجرتهم، واقْتَنَوْا نَعَماً، ورَعَوْا مَسَاقِطَ الغَيْث بعدما كانوا حاضِرَة أَو مُهاجِرَةً، قـيل: قد تَعَرَّبوا أي صاروا أَعْرابا ، بعدما كانوا عَرَباً. وفـي الـحديث: تَمَثَّل فـي خُطْبتِه مُهاجِرٌ لـيس بأَعْرابـيّ؛جعل الـمُهاجِرَ ضِدَّ الأَعْرابـيِّ. قال: والأَعْراب ساكنو البادية من العَرَب الذين لا يقـيمون فـي الأَمْصارِ، ولا يدخـلونها إِلاَّ لـحاجة. والعَرَب: هذا الـجيل، لا واحد له من لفظه، وسواء أَقام بالبادية والـمُدُن، والنسبةُ إِلـيهما أَعْرابـيٌّ وعَرَبـيٌّ.
إن الحمد لله، نحمده ،ونستعينه، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله،صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانه إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
قال رابع الخلفاء الراشدون الخليفة الراشد المهدي الحيدرة أمير المؤمنين الصحابي الجليل أباالحسن علي بن أبي طالب بن عبدالمطلب القرشي الهاشمي-رضي الله عنه وأرضاه-.
((وقِيمةُ المرْءِ مَا قَدْ كان يُحْسِنُه))
النَّاسُ مِنْ جِهَةِ التَّمْثِيلِ أَكْفَاءُ * أَبُوْهُمُ آدَمُ والـأُمُّ حَوَّاءُ
نَفْسٌ كَنَفْسٍ وأرواحٌ مُشاكلَةٌ * وأَعْظُمٌ خُلِقَتْ فيها وأعضاءُ
وإِنَّما أُمَّهاتُ النَّاسِ أَوْعِيَةٌ * مُسْتَودعاتٌ وللـأَحْسَابِ آباءُ
فإنْ يَكُنْ لـهُمُ مِنْ أَصْلِهم شَرَفٌ * يُفاخِرونَ بهِ فالطِّيْنُ والماءُ
ما الفَضْلُ إلاَّ لـأَهْلِ العِلْمِ إنَّهُمُ * عَلَى الـهُدَى لِمَنِ اسْتَهْدَى أَدِلاَّءُ
وقِيمةُ المرْءِ مَا قَدْ كان يُحْسِنُه * وللرِجَالِ على الـأفعالِ أَسْماءُ
وضدُّ كلِّ امرىءٍ ما كَانَ يَجْهَلُه * والجَاهِلونَ لـأَهْلِ العِلْمِ أَعْدَاءُ
وإنْ أَتَيْتَ بُجُودٍ من ذوي نَسَبٍ * فإنَّ نسبَتَنَا جُودٌ وعَلْيَاءُ
ففُزْ بِعِلْمٍ ولاَ تَطْلُبْ بهِ بَدلاً * فالناسُ مَوْتى وأَهْلُ العِلْمِ أَحْياءُ
ومما لا يصدق أن أكثر الناس اليوم ممن قل علمهم ووهنت درايتهم ظنوا ظن الخراصون بأن أصل العرب هم اليمن ، و خروج العرب فقط كان من اليمن ، وإن بينة لهم الأدلة الدامغة بأن أصل العرب ومادة الإسلام هم عرب بني معد بن عدنان وأعرابها، وبعض اليمانية المهاجرة من اليمن إلى نجد والحجاز دخل معك في مراء وجدل عقيم و ومكابرة وحمية جاهلية بلا بصيرة ولا تفكر واستنقاص بعرب معد بن عدنان -قاتلهم الله- ، وللمرء الباحث المنصف الجمع والتحقق وترك مايردده المتشدقة وأهل القيل والقال حول من هم أصل العرب ومادة الإسلام على التحقيق ؛ وتفنيد آراء المتعصبة الجهال ممن يزعم بأن أهل سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان أصل العرب، وكأن هذا الرأي صار من المسلمات لا يصح دفعه، ورده على قائله ومبتدعه، وهذه المقولة الكاذبة التي تفوح منها نتن الحمية الجاهلية ، ويؤجج شررها كل إمعة مأفون ومائق ، بل لم تنتشر إلا في سنين ضعف الخلافة الأموية وسقوطها ، وزخمها في أعوام ظهور قوة الخلافة العباسية وكثرة الفتن في ولاياتها ، ورسوخها في أذهان مسلمة العرب والعجم على السواء إلى اليوم-حاشا أهل العلم الراسخين في العلم والدين والتاريخ ؛ والمثقفين وعلية القوم .
وفي هذا المقال ابين أقوال أهل العلم والدراية والرواية وأدلتهم الدماغة على أن عرب بني معد بن عدنان وأعرابهم هم أصل العرب ومادة الإسلام بلا نقاش ولا منازعة في أمر مفروغاً منه ومن تعرب في باديتهم من كهلان بن سبأ من يعرب بن قحطان فقط
* أصل العرب ومادة الإسلام هم الأعراب البادية بني معد بن عدنان حاشا قريش الحرم التاجرة الحاضرة الصناديد وما جاورها من قبائل بني معد :
جاء في حديث مقتل عمر الفاروق-رضي الله عنه- الطويل وفيه " ... وَجَاءَتْ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ حَفْصَةُ وَالنِّسَاءُ تَسِيرُ مَعَهَا فَلَمَّا رَأَيْنَاهَا قُمْنَا فَوَلَجَتْ عَلَيْهِ فَبَكَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً، وَاسْتَأْذَنَ الرِّجَالُ فَوَلَجَتْ دَاخِلًا لَهُمْ فَسَمِعْنَا بُكَاءَهَا مِنْ الدَّاخِلِ، فَقَالُوا:" أَوْصِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اسْتَخْلِفْ" قَالَ: مَا أَجِدُ أَحَدًا أَحَقَّ بِهَذَا الْأَمْرِ مِنْ هَؤُلَاءِ النَّفَرِ، أَوْ الرَّهْطِ الَّذِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ عَنْهُمْ رَاضٍ فَسَمَّى عَلِيًّا وَعُثْمَانَ وَالزُّبَيْرَ وَطَلْحَةَ وَسَعْدًا وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ، وَقَالَ:
"يَشْهَدُكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ كَهَيْئَةِ التَّعْزِيَةِ لَهُ فَإِنْ أَصَابَتْ الْإِمْرَةُ سَعْدًا فَهُوَ ذَاكَ، وَإِلَّا فَلْيَسْتَعِنْ بِهِ أَيُّكُمْ مَا أُمِّرَ فَإِنِّي لَمْ أَعْزِلْهُ عَنْ عَجْزٍ وَلَا خِيَانَةٍ، وَقَالَ: أُوصِي الْخَلِيفَةَ مِنْ بَعْدِي بِالْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ أَنْ يَعْرِفَ لَهُمْ حَقَّهُمْ وَيَحْفَظَ لَهُمْ حُرْمَتَهُمْ، وَأُوصِيهِ بِالْأَنْصَارِ خَيْرًا الَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَنْ يُقْبَلَ مِنْ مُحْسِنِهِمْ وَأَنْ يُعْفَى عَنْ مُسِيئِهِمْ، وَأُوصِيهِ بِأَهْلِ الْأَمْصَارِ خَيْرًا، فَإِنَّهُمْ رِدْءُ الْإِسْلَامِ وَجُبَاةُ الْمَالِ وَغَيْظُ الْعَدُوِّ وَأَنْ لَا يُؤْخَذَ مِنْهُمْ إِلَّا فَضْلُهُمْ عَنْ رِضَاهُمْ، وَأُوصِيهِ بِالْأَعْرَابِ خَيْرًا فَإِنَّهُمْ أَصْلُ الْعَرَبِ وَمَادَّةُ الْإِسْلَامِ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ حَوَاشِي أَمْوَالِهِمْ وَيُرَدَّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ وَأُوصِيهِ بِذِمَّةِ اللَّهِ وَذِمَّةِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُوفَى لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ وَأَنْ يُقَاتَلَ مِنْ وَرَائِهِمْ وَلَا يُكَلَّفُوا إِلَّا طَاقَتَهُمْ".
.... فَلَمَّا فُرِغَ مِنْ دَفْنِهِ اجْتَمَعَ هَؤُلَاءِ الرَّهْطُ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: اجْعَلُوا أَمْرَكُمْ إِلَى ثَلَاثَةٍ مِنْكُمْ.
فَقَالَ الزُّبَيْرُ: قَدْ جَعَلْتُ أَمْرِي إِلَى عَلِيٍّ. فَقَالَ طَلْحَةُ: قَدْ جَعَلْتُ أَمْرِي إِلَى عُثْمَانَ. وَقَالَ سَعْدٌ: قَدْ جَعَلْتُ أَمْرِي إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ.
فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: أَيُّكُمَا تَبَرَّأَ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ فَنَجْعَلُهُ إِلَيْهِ وَاللَّهُ عَلَيْهِ وَالْإِسْلَامُ لَيَنْظُرَنَّ أَفْضَلَهُمْ فِي نَفْسِهِ فَأُسْكِتَ الشَّيْخَانِ.
فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: أَفَتَجْعَلُونَهُ إِلَيَّ وَاللَّهُ عَلَيَّ أَنْ لَا آلُ عَنْ أَفْضَلِكُمْ؟ قَالَا: نَعَمْ.
فَأَخَذَ بِيَدِ أَحَدِهِمَا فَقَالَ لَكَ: قَرَابَةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْقَدَمُ فِي الْإِسْلَامِ مَا قَدْ عَلِمْتَ فَاللَّهُ عَلَيْكَ لَئِنْ أَمَّرْتُكَ لَتَعْدِلَنَّ وَلَئِنْ أَمَّرْتُ عُثْمَانَ لَتَسْمَعَنَّ وَلَتُطِيعَنَّ، ثُمَّ خَلَا بِالْآخَرِ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ فَلَمَّا أَخَذَ الْمِيثَاقَ قَالَ: ارْفَعْ يَدَكَ يَا عُثْمَانُ فَبَايَعَهُ فَبَايَعَ لَهُ عَلِيٌّ وَوَلَجَ أَهْلُ الدَّارِ فَبَايَعُوهُ ".(1)
[(1) أخرجه البخاري في (3700) من حديث عمرو بن ميمون]
الشاهد قوله الخليفة الراشد المهدي عمر الفاروق بن الخطاب -رضي الله عنه- في وصيته وهي سنة مقترنة بسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- والوجوب العمل بها ((...،وَأُوصِيهِ بِالْأَعْرَابِ خَيْرًا فَإِنَّهُمْ أَصْلُ الْعَرَبِ وَمَادَّةُ الْإِسْلَامِ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ حَوَاشِي أَمْوَالِهِمْ وَيُرَدَّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ ، ...))
ولم يقل : وأوصيه باليمن خيراً فإنهم أصل العرب ومادة الإسلام...بل قال : وأوصيه بالأعراب خيراً فإنهم أصل العرب ومادة الإسلام...وسيأتي البيان من الأعراب في العرب أمعد بن عدنان أم يعرب بن قحطان -بإذن الله تعالى- ! .
وعن العرباض بن سارية -رضي الله عنه- قال : وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما بعد صلاة الغداة موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقال رجل : إن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا يا رسول الله ؟ قال : (( أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبد حبشي فإنه من يعش منكم يرى اختلافا كثيرا وإياكم ومحدثات الأمور فإنها ضلالة فمن أدرك ذلك منكم فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ ))
قال أبو عيسى : هذا حديث صحيح
وقد ورى ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن عبد الرحمن بن عمرو السلمي عن العرياض بن سارية عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا حدثا بذلك الحسن بن علي الخلال وغير واحد قالوا : حدثنا أبو عاصم عن ثور بن يزيد عن خالد بم معدان عن عبد الرحمن بن عمرو السلمي عن العرباض بن سارية عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه و العرباض بن سارية يكني أبا نجيح
وقد روي هذا الحديث عن حجر بن حجر عن عرباض بن سارية عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه
[ رواه أبو داود ( 4607) والترمذي (رقم 2676) وقال : حديث حسن صحيح ] .
*قال الإمام ابن دقيق العيد القشيري العامري المنفلوطي المصري-رحمه الله-في شرح هذا الحديث الشهير حين شرحه لكتاب (( الأربعين النووية في الأحاديث الصحيحة النبوية ))- :
( وأمر -صلى الله عليه وسلم بالثبات على سنة الخلفاء الراشدين لأمرين :
أحدهما : التقليد لمن عجز عن النظر .
والثاني : الترجيح لما ذهبوا إليه عند اختلاف الصحابة ) .أهـ.
* العرب والأعراب في لسان العرب قال ابن منظور الأنصاري الخزرجي الرويفعي التونسي-رحمه الله-
في مادة عرب :
عرب : العُرْب والعَرَب : جِيلٌ من الناس معروف، خِلافُ العَجَم، وهما واحدٌ، مثل العُجْمِ والعَجَم، مؤَنث، وتصغيره بغير هاء نادر. الـجوهري: العُرَيْب تصغير العَرَب ؛ قال أَبو الهِنْدِيّ، واسمه عَبْدُ الـمؤْمنبن عبدالقُدُّوس:
فأَمَّا البَهَطُّ وحِيتَانُكُمْ،
فما زِلْتُ فـيها كثـيرَ السَّقَمْ
وقد نِلْتُ منها كما نِلْتُمُ،
فلَـمْ أَرَ فـيها كَضَبَ هَرِمْ
وما فـي البُـيُوضِ كبَـيْضِ الدَّجاج،
وبَـيْضُ الـجَرادِ شِفاءُ القَرِمْ
ومكْنُ الضِّبابِ طَعامُ العُرَيْـ
ـبِ، لا تشْتَهيهِ نفوسُ العَجَمْ صَغَّرهم تعظيماً، كما قال: أَنا جُذَيْلُها الـمُـحَكَّكُ، وعُذَيْقُها الـمُرَجَّبُ.
والعَرَبُ العارِبة : هم الـخُـلَّصُ منهم، وأُخِذ من لَفْظه فأُكِّدَ به، كقولك لَـيلٌ لائِلٌ؛ تقول: عَرَبٌ عارِبة وعَرْباء : صُرَحاءُ. ومُتَعَرِّبة ومُسْتَعْرِبة : دُخَلاءُ، لـيسوا بخُـلَّصٍ. والعَرَبـي منسوب إِلـى العَرَب ، وإِن لـم يكن بَدَوِيّاً.
والأَعْرابـي : البَدَوِيُّ؛ وهم الأَعْراب ؛ والأَعارِيب : جمع الأَعْراب . وجاءَ فـي الشعر الفصيح الأَعارِيب ، وقـيل: لـيس الأَعْراب جمعاً لِعَرب ، كما كان الأَنْباطُ جمعاً لنَبَطٍ، وإِنما العَرَب اسم جنس. والنَّسَبُ إِلـى الأَعْراب : أَعْرابـي ، قال سيبويه: إِنما قـيل فـي النسب إِلـى الأَعْراب أَعْرابـي ، لِأَنه لا واحد له علـى هذا الـمعنى. أَلا تَرى أَنك تقول العَرَب ، فلا يكون علـى هذا الـمعنى؟ فهذا يقوّيه. وعَرَبِـي : بَـيِّنُ العُروبة والعُرُوبِـيَّة . وهما من الـمصادر التـي لا أَفعال لها. وحكى الأَزهري: رجل عَرَبـي إِذا كان نسبه فـي العَرَب ثابتاً، وإِن لـم يكن فصيحاً، وجمعه العَرَب ، كما يقال؛ رجل مـجوسيّ ويهوديّ، والـجمع، بحذف ياء النسبة، الـيَهُودُ والـمـجوسُ.
ورجل مُعْرِب إِذا كان فصيحاً، وإِن كان عَجَمِيَّ النَّسب. ورجل أَعْرَابـي ، بالأَلف، إِذا كان بَدَوِياً، صاحبَ نَـجْعَةٍ وانْتواءٍ وارْتـيادٍ للكلإِ، وتَتَبُّعٍ لـمَساقِطِ الغَيْث، وسواء كان من العَرَب أَو من مَوالـيهم. ويُجْمَعُ الأَعْرابـي علـى الأَعْراب والأَعارِيب . والأَعْرابـيُّ إِذا قـيل له: يا عَرَبـيُّ فَرِحَ بذلك وهَشَّ له. والعَرَبـيّ إِذا قـيل له: يا أَعْرابـيُّ غَضِبَ له. فَمَن نَزَل البادية، أَو جاوَرَ البَادِينَ وظَعَن بظَعْنِهم، وانْتَوَى بانْتِوائِهم: فهم أَعْراب ؛ ومَن نَزَل بلادَ الرِّيفِ واسْتَوْطَنَ الـمُدُنَ والقُرى العَربـيةَ وغيرها مـمن يَنْتمِي إِلـى العَرَب: فهم عَرَب، وإِن لـم يكونوا فُصَحاءَ. وقول الله، عز وجل: {قالت الأَعْرابُ آمَنَّا، قُلْ لـم تؤْمنوا، ولكن قولوا أَسْلَـمْنا}. فَهؤُلاء قوم من بَوادي العَرَبِ قَدِمُوا علـى النبـيصلى الله عليه وسلم الـمدينةَ، طَمَعاً فـي الصَّدَقات، لا رَغْبةً فـي الإِسلام، فسماهمالله تعالـى الأَعْرابَ؛ ومثلهم الذين ذكرهمالله فـي سورة التوبة، فقال: {الأَعْرابُ أَشدّ كفراً ونِفاقاً}؛ الآية. قال الأَزهري: والذي لا يَفْرِقُ بـين العَرَب والأَعراب والعَرَبـي والأَعْرابـي ، ربما تَـحامَلَ علـى العَرَب بما يتأَوّله فـي هذه الآية، وهو لا يميز بـين العَرَبِ والأَعْراب، ولا يجوز أَن يقال للـمهاجرين والأَنصار أَعْرابٌ، إِنما هم عَرَبٌ لأَنهم اسْتَوطَنُوا القُرى العَرَبـية، وسَكَنُوا الـمُدُنَ، سواء منهم الناشئ بالبَدْوِ ثم اسْتَوْطَنَ القُرَى، والنَّاشِئُ بمكة ثم هاجر إِلـى الـمدينة، فإِن لَـحِقَتْ طائفةٌ منهم بأَهل البَدْوِ بعد هجرتهم، واقْتَنَوْا نَعَماً، ورَعَوْا مَسَاقِطَ الغَيْث بعدما كانوا حاضِرَة أَو مُهاجِرَةً، قـيل: قد تَعَرَّبوا أي صاروا أَعْرابا ، بعدما كانوا عَرَباً. وفـي الـحديث: تَمَثَّل فـي خُطْبتِه مُهاجِرٌ لـيس بأَعْرابـيّ؛جعل الـمُهاجِرَ ضِدَّ الأَعْرابـيِّ. قال: والأَعْراب ساكنو البادية من العَرَب الذين لا يقـيمون فـي الأَمْصارِ، ولا يدخـلونها إِلاَّ لـحاجة. والعَرَب: هذا الـجيل، لا واحد له من لفظه، وسواء أَقام بالبادية والـمُدُن، والنسبةُ إِلـيهما أَعْرابـيٌّ وعَرَبـيٌّ.