بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
أسباب إحتلال الجزائر وقوة أسطولها في عصر الدولة العثمانية
كانت الجزائر خلال العهد العثماني من أقوى الدول فى حوض البحر الأبيض المتوسط، كما كانت تحتل مكانة خاصة فى دولة الخلافة هذه إذ كانت تتمتع باستقلال كامل مكنها من ربط علاقات سياسية وتجارية مع أغلب دول العالم، بل وهي أول دولة اعترفت بحكومة الثورة الفرنسية عام 1789 م وبالثورة الامريكية بعد استقلالها عن التاج البريطاني عام 1776م. كان الإسم الحقيقي للدولة الـجـزائـريـة هو "أيـالـة الجــزائر" وأحيانا إسم " جمهورية الجزائر" أو " مملكة الجزائر"، وبهذه الأسماء أبرمت عشرات المعاهدات مع دول العالم.
كما بلغ أسطولها البحري قوة عظيمة بحيث استطاع خلال القرن الثامن عشر إحداث نظام للملاحة فى المتوسط يضمن أمن الدولة الجزائرية خاصة والدولة العثمانية عامة وبصورة أعم بالنسبة للتجارة الدولية فى هذا البحر، وهو ما جعل الدول الأوربية تعمل على إنهاء هذا النظام تحت غطاء إنهاء ما كان يسمى بـ " القرصنة " التي كانت تمارسها جموع المغامرين الأوربيين بموافقة دولهم ومؤازرتها لهم. في حين أن ذلك كان أسلوبا دفاعيا لمواجهة المد الاستعماري الذي انطلق منذ القرن الخامس عشر والذي دخلت الجزائر بمحض اختيارها من أجله ضمـــن "الخلافة العثمانية " وتحت حمايتها.
لقد بادرت فرنسا فى "مؤتمر فيينا "1814/ 1815 م بطرح موضوع " أيالة الجزائر " فاتفق المؤتمرون على تحطيم هذه الدولة فى مؤتمر " إكس لا شابيل " عام 1819 م حيث وافقت 30 دولة أوربية على فكرة القضاء على " دولة الجزائر"
و أسندت المهمة إلى فرنسا وانكلترا ، و توفرت الظروف المناسبة للغزو عندما تمكنت بحرية البلدين من تدمير الأسطول الجزائري في معركة " نافارين" Navarin سنة 1827م، حيث كان في نجدة الأسطول العثماني وبذلك انتهت السيطرة الجزائرية على البحر الأبيض المتوسط.
لقد كانت حادثة المروحة الذريعة التي بررت بها فرنسا عملية غزو الجزائر. فقد أدعى قنصل فرنسا أن الداي حسين ضربه بالمروحة نتيجة لاشتداد الخصام بينهما نظرا لعدم التزام فرنسا بدفع ديونها للخزينة الجزائرية التى قدمت لها على شكل قروض مالية ومواد غذائية بصفة خاصة خلال المجاعة التى اجتاحت فرنسا بعد ثورة 1789م، والتي قدرت بـ 20 مليون فرنك ذهبي فى ذلك الوقت.
فقرر الملك الفرنسي شارل العاشرإرسال أسطولا بحريا مبررا عملية الغزو بالثأر لشرف فرنسا و الانتقام من الداي حسين .
في 1830 يحاول الملك شارل العاشر الرفع من شعبيته من خلال غزو الجزائر و لكن ذلك لم يمنع قيام ثورة شعبية أطاحت بحكمه
إن الدوافع الحقيقية للإحتلال كانت غير ذلك، فبالإضافة إلى الصراع الديني القديم بين المسيحية و الإسلام كان يسعى الاحتلال إلى الرفع من شعبية الملك شارل العاشر المنحطة و السطو على خيرات الجزائر و التهرب من دفع الديون.
وكان القرار النهائي بشن الحملة قد اتخذ يوم 30 جانفي 1830م، حيث قام الملك الفرنسي بتعيين كل من الكونت دي بورمون قائدا عاما للحملة والأميرال دوبري (Duperré) قائدا للأسطول، وفي ماي 1830م حررت الحكومة الفرنسية وثيقـتين لتبرير حملتها، الوثيقة الأولى موجهة للدول الأوربية، والثانية للشعب الجزائري، تعلن فيها أن حملتها تستهدف تأديب العثمانيين وتحرير الجزائريين من سيطرتهم.
وفي 25 ماي 1830م إنطلقت الحملة الفرنسية تجاه الشواطئ الجزائرية من ميناء طولون (Toulon)، وقد وضعت خطة الحملة وفق ما رسمه المهندس العسكري الخبير بوتان (Boutin) الذي جاء إلى الجزائر سنة 1808م للتجسس عليها بطلب من الإمبراطور نابليون بونابرت.
كان تعداد الحملة حوالي 37.000 رجل موزعين على 3 فرق وعلى رأس كل واحدة منها جنرالا، تحملهم 675 سفينة عليها 112 مدفعا ووصلت الحملة إلى شاطئ سيدي فرج يوم 13 جوان 1830م وشرعت في عملية الإنزال مباشرة في اليوم الموالي.
مقاومة الاحتلال
قام ديوان الداي بقيادة حسين باشا بوضع خطة المواجهة على أساس أن يكون خط الدفاع
الأول في قرية اسطاوالي لعرقلة عملية تقدم القوات الفرنسية نحو هذه القرية التي لم تستطع الوصول إليها إلا في 19 جوان، وفي اسطاوالي تمت أول مواجهة حقيقية بين الطرفين . و كان لأنهزام الجيش الجزائري انعكاسات سلبية وخطيرة على معنويات الجيش مما دفع بالداي حسين إلى استدعاء المفتي محمد بن العنابي ليطلب منه جمع الشعب وإقناع الناس بالجهاد دفاعا عن البلاد، ونصب باي التيطري قائدا على الجيش إلا أن كل ذلك كان بدون جدوى.
الإنهزام في معركة أسطوالي فتح الباب واسعا أمام إحتلال مدينة الجزائر
فقد تمكنت القوات الفرنسية من الوصول إلى مدينة الجزائر وإرغام الداي حسين على توقيع معاهدة الاستسلام في 5 جويلية والتي تنص على تسليم مدينة الجزائر وتعهد الطرف الفرنسي بالحفاظ على حرية الدين الإسلامي وعلى أملاك الأهالي وتجارتهم وصناعتهم واحترام نسائهم وحرماتهم.
وأمام حالة شعور السلطة عقدت مجموعة من رؤساء القبائل والأعراش الجزائرية منها بني خليل والخشنة وفليسة مؤتمرا لها في "تامنفوست" يوم 23 جويلية 1830م، وقررت فيه عدم الاستسلام للفرنسيين ونتيجة لذلك ظهرت مجموعة من المقاومين الذين أبلوا البلاء الحسن مثل ابن زعمون من قبيلة فليسة والحاج سيدي سعدي من مدينة الجزائر ومحي الدين بن مبارك من القليعة.
ومع ذلك شرعت فرنسا في توجيه فرقها العسكرية للسيطرة على مناطق أخرى بل وفي توجيه حملات بحرية إلى عنابة ووهران وبجاية وغيرها وكانت شدة المقاومة سببا في انسحاب القوات الفرنسية عدة مرات من هذه المناطق. كما أن فرنسا تجاهلت تجاهلا تاما ما تم التوقيع عليه في معاهدة 5 جويلية 1830م.
مقاومة الأمير عبد القادر
لقد كان لسقوط مدينة الجزائر أثر كبير مما حدا بالمواطنين إلى تفويض أمر قيادتهم في المنطقة الغربية إلى أحد زعمائهم وهو شيخ زاوية القيطنة التابعة للطريقة القادرية، وهو محي الدين بن مصطفى الهاشمي، وهذا بعد أن قامت فرنسا بتعيين باي موال لها على وهران، ولقد تمكن الشيخ محي الدين من مضايقة العدو في وهران، وهنا ظهرت قوة شخصية ابنه "عبد القادر" الذي بويع أميرا بدلا من أبيه محي الدين الذي اعتذر عن قيادة المقاومة لكبر سنه، وتمت المبايعة في 27 نوفمبر 1832م.
فشرع الأمير عبد القادر في بعث الدولة الجزائرية من جديد ولكن على أسس حديثة وعصرية ليقينه بأن تحرير البلاد يتحقق تحت راية النظام المحكم فقط، فقسم دولته إلى ثماني مناطق إدارية على أساس اللامركزية الإدارية، واضعا على رأس كل منطقة خليفة، يعملون جميعا من أجل تحقيق الوحدة الوطنية والعدالة وفق الشريعة الإسلامية، أما الجيش فقد كان متكون من جيش نظامي و متطوعين ، فيما يخصص الجيش النظامي فقد كانت الدولة تصرف عليه ، و أستفاد من خبرة المرتزقة و الفارين من الجيش الفرنسي في التنظيم و التخطيط و التسليح و التدريب و حاول الاعتماد على الذات لتسليح الجيش فبنى مصانع الأسلحة و الذخيرة . لقد أثبت الأمير عبد القادر رغم صغر سنه حنكة وكفاءة في تسيير الأمور وقيادة المعارك مما مكنه من الانتصار في العديد من المواجهات التي دارت بينه وبين قادة الجيش الفرنسي، اتبع الأمير في بداية مقاومته أسلوب الحرب النظامية ذلك أن العدو كان يتمركز في المدن فعمل الأمير على تحريرها، بل وأجبر السلطات الفرنسية في الجزائر على الاعتراف به في معاهدتين مختلفتين وذلك عندما اعترفت له بحق تعيين ممثلين عنه لدى هذه السلطات، وذلك في معاهدة دي ميشال في فيفري 1834م أولا. وفي معاهدة التافنا ثانيا. المتطوعين، ومن العناصر التي تلتزم القبائل والأعراش بتقديمهم.