وأخيراً عرفت طريق الهداية
عبر وعظات من قصص التائبين والتائبات
خالد بن مصطفى سالم
المقدمة
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
هذه الأمة على الرغم مما أصابها من ضعف وانحراف، وبعد عن منهج الله عز وجل، إلا أن الخير لا يزال فيها وفي أبنائها إلى يوم القيامة..
وها هي قوافل التائبين، وأفواج العائدين تتكاثر يوما بعد يوم، فيهتدي أناس بعد طول شرود، ويتوب آخرون بعد أن جربوا كل أصناف المعاصي والمخالفات..
كانوا عصاة، ولكن بذرة الإيمان- وإن ذبلت- لم تمت في قلوبهم، ولذلك فسرعان ما اهتزت وربت وأنبتت عند أول جرعة من ماء الهداية والاستقامة..
لقد استجاب هؤلاء التائبين لقوله تعالى: { زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (النور:31) وإنا لنرجو لهم الفلاح إذا استمروا على طريق التوبة والهداية.نرجو لهم الفلاح؟ لأنهم تركوا طريق الضلال والانحراف.
نرجو لهم الفلاح؛ لأنهم تركوا أموالهم المحرمة، وأعمالهم المحرمة، ومنهم من ضحى بشهرته ومكانته الاجتماعية المرموقة، ومنهم من ضحى بمنصبه، ومنهم من ضحى بتجارته ومصدر عيشه، كل ذلك تقرئا إلى الله عز وجل وطلبا لمرضاته.
ولقصص التائبين أثر بالغ في النفوس؛ نفوس الطائعين ونفوس العاصين..
فالطائع يزداد إيمانا، ويعلم أنه على طريق الحق والهداية، وأن الذين سلكوا طريق الغواية ندموا على ذلك ولم يجدوا السعادة التي كانوا ينشدونها.
والعاصي يتحرك قلبه إذا سمع قصص هؤلاء التائبين، وتبدأ نفسه اللوامة تحثه على سلوك طريقهم والتزام سبيلهم، فإن كانت له إرادة قوية وعزيمة صادقة وثب وثوب الأسد، وأفاق من رقدة الغافلين، وأثبت اسمه في ديوان التائبين. وإن لم تكن له تلك الإرادة والعزيمة، استمرت نفسه اللوامة في اللوم والتوبيخ حتى تدركه رحمة الله فيهتدي، أو يموت على حاله من الضلال والبعد عن الله، والعياذ بالله.
ومن هنا- أخي الحبيب- جمعنا لك هذه الطائفة المنتقاة من قصص التائبين والتائبات لتأخذ منها العبرة والعظة وننتظم في سلك هؤلاء التائبين لننعم بتوبتنا في دنيانا وأخرانا
{ يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } (الشعراء:88،89) نسأل الله أن يوفقنا جميعا إلى طريق التوبة والهداية، وأن يقبل من إخواننا التائبين توباتهم، وأن يتوب على كل العصاة والمذنبين، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
توبة شاب مسرف على نفسه على يد إبراهيم بن أدهم
روي أن رجلا جاء إلى إبراهيم بن أدهم، فقال له: يا أبا إسحاق إني مسرف على نفسي، فاعرض علي ما يكون لها زاجرا ومستنقذا لقلبي. قال: إن قبلت خمس خصال وقدرت عليها لم تضرك معصية، ولم توبقك لذة.
قال: هات يا أبا إسحاق
قال: أما ا لأولى، فإذا أردت أن تعصي الله- عز وجل- فلا تأكل رزقه.
قال: فمن أين آكل وكل ما في الأرض من رزقه؟
قال له: يا هذا، أفيحسن أن تأكل رزقه وتعصيه؟
قال: لا، هات الثانية.
قال: وإذا أردت أن تعصيه فلا تسكن شيئا من بلاده.
قال الرجل: هذه أعظم من الأولى، يا هذا، إذا كان المشرق والمغرب وما بينهما له، فأين أسكن؟ قال: يا هذا أفيحسن أن تأكل رزقه وتسكن بلاده وتعصيه؟
قال: لا، هات الثالثة.
قال: إذا أردت أن تعصيه، وأنت تحت رزقه وفي بلاده، فانظر موضعا لا يراك فيه مبارزا له، فاعصه فيه.
قال: يا إبراهيم كيف هذا وهو مطلع على ما في السرائر؟!
قال: يا هذا، أفيحسن أن تأكل رزقه، وتسكن بلاده، وتعصيه وهو يراك ويرى ما تجاهره به؟!
قال: لا ؛ هات الرابعة.
قال: إذا جاءك ملك الموت ليقبض روحك، فقل له: أخرني حتى أتوب توبة نصوحا، وأعمل لله عملا صالحا.
قال: لا يقبل مني.
قال: يا هذا، فأنت إذا لم تقدر أن تدفع عنك الموت لتتوب، وتعلم أنه إذا جاء لم يكن له تأخير، فكيف ترجو وجه الخلاص؟!
قال: هات الخامسة.
قال: إذا جاءتك الزبانية يوم القيامة ليأخذوك إلى النار فلا تذهب معهم.
قال: لا يدعونني ولا يقبلون مني.
قال: فكيفت ترجو النجاة إذا ؟!
قال له: يا إبراهيم، حسبي، أنا أستغفر الله وأتوب إليه. ولزمه في العبادة حتى فرق الموت بينهما.
حنين فتاة
في صيف أحد الأعوام فكرت الأسرة أن تسافر كالعادة إلى بلاد أوروبا..
هناك حيث جمال الأرض وروعة المكان..
وأكثر من هذا الحرية التي تمنحها المرأة نفسها..
كانت هذه الفتاة مع الأسرة تربط الأمتعة وتنظر إلى أخيها الأكبر..
وتقول له في فرحة غامرة وسعادة كبيرة..
أما هذه العباءة سأتركها.. لا حاجة لي بها.
وهذا الحجاب الذي حجبني عن حريتي وعن متعتي فسوف أرمي به عرض الحائط.
سألبس لباس أهل الحضارة... زعمت.
طارت الأسرة وسارت من أرض الوطن وبقيت في بلاد أوروبا شهرا كاملا . ما بين اللعب والعبث والمعصية لله سبحانه وتعالى.
وفي ليلة قضتها هذه الأسرة بين سماع المزامير ورؤية المحرمات عادت الفتاة إلى غرفتها وقبل النوم أخذت تقلب تلك الصور التي التقطتها والتي ليس فيها ذرة من حياء.
ثم أخذت الفتاة الوسادة وتناولت سماعة الراديو.. تريد أن تنام مبكرة فغدا يوجد مهرجان غنائي صاخب.
نامت وهي تفكر كم الساعة الآن في بلدي.
ثم أيقظ تذكر بلدها إيمانها النائم وقالت: منذ حضرنا في هذه البلاد ونحن لن نسجد لله سجدة واحدة، والعياذ بالله.
قامت الفتاة تقلب قنوات المذياع المعد للنزلاء وإذا بصوت ينبعث من ركام الصراخ وركام العويل والمسلسلات والأغاني الماجنات (صوت الأذان).
صوت ندي وصل إلى أعماق قلبها، وأحيا الإيمان في أعماقها، صوت من أطهر مكان وأقدس بقعة في الأرض، من بلد الله الحرام... نعم إنه صوت إمام الحرم الذي انساب إلى قلب هذه المسكينة في هجعة الليل.
انساب إلى قلب هذه الفتاة التي هي ضحية واحدة من بين ملايين الضحايا.
ضحية الأب الذي لا خلاق له، وضحية الأم التي ما عرفت كيف! تصنع جيلا يخاف الله ويراقبه سبحانه وتعالى؟! سمعت صوت القرآن وهو بعيد غير واضح.. هالني الصوت حاولت مرارا أن أصفي هذه الإذاعة التي وصلت إلى القلب قبل أن تصل إلى الأذن.
أخذت أستمع إلى القرآن وأنا أبكي بكاءً عظيماً.
أبكاني بعدي عن القرآن... أبكاني نزع الحجاب... أبكتني تلك الملابس التي كنت أرتديها.
كنت أبكي من بشاعة ما نصنع في اليوم والليلة.
فلما فرغ الشيخ من قراءته أصابني الحنين ليس للوطن.. ولا للمكان.. ولا للزمان.. ولكن الحنين.. إلى ربي سبحانه وتعالى فاطر الأرض والسماء.. إلى ا لرحيم ا لرحمن... إلى ا لغفور الودود. قمت مباشرة.. فتوضأت وصليت ما شاء الله أن أصلي، لم أصل
ولم أسجد لله أو أركع ركعة واحدة خلال شهر كامل، ثم عدت أبحث عن شيء يؤنسني في هذه الوحشة وفي هذه البلاد.. فلم أجد سوى أقوام قال عنهم ربي سبحانه وتعالى: { وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ) (محمد:12)
بحثت في حقائبي فلم أجد إلا صورا خليعة وأرقام الأصدقاء.. بحثت في أشرطتي عن شريط قرآن أو محاضرة.. فلم أجد سوى أشرطة الغناء.. فكان كل شيء في هذا المكان يزيد من غربتي وبعدي عن الله عز وجل.
بقيت ساهرة طوال الليل... أحاول أن أستمع إلى المذياع لعله يسعف قلبي بآية من كتاب الله.
لعله يسعف فؤادي بحديث... لأني والله ما شعرت براحة ولا أمان إلا بعد أن استمعت إلى تلك الآيات.
والله لا طبيعة ولا جمال ولا ألعاب ولا هواء ولا نزهة أسعدتني كما أسعدني القرآن.
جاء الفجر فتوضأت وصليت... نظرت إلى أبي!!! نظرت إلى أمي!! نظرت إلى إخواني.. وإذا بهم كلهم يغطون في نوم عميق.. فزاد هذا المنظر في قلبي حزنا إلى حزني.
فلما قرب موعد الذهاب إلى المهرجان... استيقظت الأسرة من النوم العميق وأنا لا أزال ساهرة لم أذن طعم النوم.
فقررت البقاء بالغرفة والتظاهر بالمرض... فوافق الجميع على بقائي وذهبوا إلى هذا المنكر.
فبقيت أتذكر في تلك اللحظات كم معصية لله عصيتها، وكم من طاعة فرطت فيها... وكم من حد من حدود الله انتهكته إلى أن غلبني النوم.
وعادت الأسرة بعد يوم صاخب.. فقررت أن أتقدم وأن أقول كل ما لدي.
وقفت أمام الجميع.. حاولت الكلام فلم أستطع فانفجرت باكية.. فوقف والدي ووالدتي وأخذا يهدئاني وقالا هل نحضر لك طبيباً..قلت لا.
فقويت نفسي على الحديث قلت يا أبي لماذا نحن هنا؟.. يا أبي لماذا منذ أن قدمنا لم نصل ولم نسجد لله سجدة؟.. يا أبي لماذا لم نقرأ القرآن ؟... يا أبي أعدنا سريعا إلى أرض الوطن، أعدنا إلى أرض الإسلام.
يا أبي اتق الله في أيامي.. يا أبي اتق الله في آلامي... اتق الله في دمعاتي..
فتفاجأ الجميع بهذا الكلام... وذهل الأب والأم والإخوة لهذه الفتاة التي لم تتجاوز الخامسة عشرة من عمرها، وتقول كل هذا الكلام. حاول الأب أن يبور الموقف فلم يستطع.. فاضطر إلى السكوت... وفكر كثيرا في هذا الكلام الذي كان يسقي بذرة الإيمان الذابلة في قلبه.
ثم قام وأخذ يستعيذ بالله من الشيطان.
وعزم- بعد الاستغفار- على الرجوع إلى أرض السلام.
تقول الفتاة: والله كأن الجميع كانوا في نوم عميق ثم استفاقوا فجأة فوجدوا أنفسهم في بركة من القاذورات.
قام الأب وهو يردد استعاذته من الشيطان.. فأسرع وحجز على أقرب رحلة وعادت الأسرة سريعا لأرض الوطن..
لم يكن حنينهم إلى الوطن " بل حنينهم إلى عبادة الله عر وجل والأنس بقربه .
شاب تسبب في هداية فتاة
لقد كنت متحللة إلى درجة كبيرة حتى إنني كنت أقيم علاقات مع جيراني الشباب وأغريهم بالتحدث معي وألاطفهم، كنت على درجة عالية من السخافة، أستخدم الهاتف لمعاكسة الشباب حتى إن أحد الشباب شباب الحي تركني وتزوج بأختي التي تصغرني، لم أكن أؤدي الصلاة ولا ألتزم بأي نوع من أنواع العبادات....
وفي يوم من الأيام تعطلت سيارتي في الطريق فوقفت ألوح بيدي عسى أن تقف لي إحدى السيارات المارة، وبقيت على هذه الحال فترة، رغم أنه في كل مرة ينزل الشباب بل ويسارعون ليتمتعوا بابتسامتي والنظر إلى جسدي شبه العاري... وهناك.. توقفت إحدى السيارات ونزل منها شاب "عادي " لا يظهر عليه سيما التدين، وتعجبت عندما لم ينظر إلي وعمل بجد على إصلاح السيارة، وأنا مندهشة كيف لم يعجب بي!! ولم يحاول أن يلاطفني كبعض الشباب!! فحاولت أن ألاطفه وأبتسم له، وهو لا يرد علي، وعندما أنهى مهمته، وقام بإصلاح السيارة قال لي: "ستر الله عليك.. استري على نفسك... " ثم مضى وتركني مذهولة أنظر إليه وأسأل نفسي: ما الذي يجعل شابا فتيا في عنفوان شبابه ورجولته لم يفتن بي، وينصحني أن أستر نفسي؟!
وظللت طوال الطريق، أتساءل: ما القوة التي يتمسك بها هذا الشاب؟ وأفكر فيما قاله لي.. وهل أنا على صواب؟ أم أنني أمشي في طريق الهلاك، وظللت أتعجب حتى وصلت إلى البيت ولم ليهن فيه أحد في ذلك اليوم، وعندما دخلت جاء بعد قليل زوج أختي الذي كان يريدني، وتلاطف معي.. وعلى عادتي تجاوبت معه بالنظرات والكلام حتى حاول أن يعتدي علي.. وهنا تذكرت.. وهانت على نفسي لدرجة لم أجربها من قبل.. وأخذت أبكي، وأفلت من هذا الذئب سليمة الجسد معتلة النفس.. لا أدري، ما الذي أفعله؟ وما نهاية هذا الطريق الذي أسير فيه؟
وأخذت أبحث عما يريح نفسي من الهم الذي أثقلها... لم أجد في الأفلام أو الأغاني أو القصص ما ينسيني ما أنا فيه، ومرضت عدة أسابيع، ثم بعد ذلك تعرفت على بعض الفتيات المتدينات ونصحتني إحداهن بالصلاة. وفعلا عند أول صلاة، شعرت بارتياح لم أجربه من قبل وبقيت مداومة على الصلاة وحضور الدروس والقراءة، والتزمت "بالحجاب الشرعي " حتى تعجب أهلي، الذين لم يروني أصلي في يوم من الأيام،.. ومنذ ذلك اليوم سلكت طريق الهداية والدعوة إلى لله وودعت طريق الضلال والغواية.
والآن ألقي الدروس عن التوبة وعن فضل الله جل وعلا ومنته على عباده
أن يسر لهم سبل الهداية. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .
يتبع
عبر وعظات من قصص التائبين والتائبات
خالد بن مصطفى سالم
المقدمة
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
هذه الأمة على الرغم مما أصابها من ضعف وانحراف، وبعد عن منهج الله عز وجل، إلا أن الخير لا يزال فيها وفي أبنائها إلى يوم القيامة..
وها هي قوافل التائبين، وأفواج العائدين تتكاثر يوما بعد يوم، فيهتدي أناس بعد طول شرود، ويتوب آخرون بعد أن جربوا كل أصناف المعاصي والمخالفات..
كانوا عصاة، ولكن بذرة الإيمان- وإن ذبلت- لم تمت في قلوبهم، ولذلك فسرعان ما اهتزت وربت وأنبتت عند أول جرعة من ماء الهداية والاستقامة..
لقد استجاب هؤلاء التائبين لقوله تعالى: { زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (النور:31) وإنا لنرجو لهم الفلاح إذا استمروا على طريق التوبة والهداية.نرجو لهم الفلاح؟ لأنهم تركوا طريق الضلال والانحراف.
نرجو لهم الفلاح؛ لأنهم تركوا أموالهم المحرمة، وأعمالهم المحرمة، ومنهم من ضحى بشهرته ومكانته الاجتماعية المرموقة، ومنهم من ضحى بمنصبه، ومنهم من ضحى بتجارته ومصدر عيشه، كل ذلك تقرئا إلى الله عز وجل وطلبا لمرضاته.
ولقصص التائبين أثر بالغ في النفوس؛ نفوس الطائعين ونفوس العاصين..
فالطائع يزداد إيمانا، ويعلم أنه على طريق الحق والهداية، وأن الذين سلكوا طريق الغواية ندموا على ذلك ولم يجدوا السعادة التي كانوا ينشدونها.
والعاصي يتحرك قلبه إذا سمع قصص هؤلاء التائبين، وتبدأ نفسه اللوامة تحثه على سلوك طريقهم والتزام سبيلهم، فإن كانت له إرادة قوية وعزيمة صادقة وثب وثوب الأسد، وأفاق من رقدة الغافلين، وأثبت اسمه في ديوان التائبين. وإن لم تكن له تلك الإرادة والعزيمة، استمرت نفسه اللوامة في اللوم والتوبيخ حتى تدركه رحمة الله فيهتدي، أو يموت على حاله من الضلال والبعد عن الله، والعياذ بالله.
ومن هنا- أخي الحبيب- جمعنا لك هذه الطائفة المنتقاة من قصص التائبين والتائبات لتأخذ منها العبرة والعظة وننتظم في سلك هؤلاء التائبين لننعم بتوبتنا في دنيانا وأخرانا
{ يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } (الشعراء:88،89) نسأل الله أن يوفقنا جميعا إلى طريق التوبة والهداية، وأن يقبل من إخواننا التائبين توباتهم، وأن يتوب على كل العصاة والمذنبين، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
توبة شاب مسرف على نفسه على يد إبراهيم بن أدهم
روي أن رجلا جاء إلى إبراهيم بن أدهم، فقال له: يا أبا إسحاق إني مسرف على نفسي، فاعرض علي ما يكون لها زاجرا ومستنقذا لقلبي. قال: إن قبلت خمس خصال وقدرت عليها لم تضرك معصية، ولم توبقك لذة.
قال: هات يا أبا إسحاق
قال: أما ا لأولى، فإذا أردت أن تعصي الله- عز وجل- فلا تأكل رزقه.
قال: فمن أين آكل وكل ما في الأرض من رزقه؟
قال له: يا هذا، أفيحسن أن تأكل رزقه وتعصيه؟
قال: لا، هات الثانية.
قال: وإذا أردت أن تعصيه فلا تسكن شيئا من بلاده.
قال الرجل: هذه أعظم من الأولى، يا هذا، إذا كان المشرق والمغرب وما بينهما له، فأين أسكن؟ قال: يا هذا أفيحسن أن تأكل رزقه وتسكن بلاده وتعصيه؟
قال: لا، هات الثالثة.
قال: إذا أردت أن تعصيه، وأنت تحت رزقه وفي بلاده، فانظر موضعا لا يراك فيه مبارزا له، فاعصه فيه.
قال: يا إبراهيم كيف هذا وهو مطلع على ما في السرائر؟!
قال: يا هذا، أفيحسن أن تأكل رزقه، وتسكن بلاده، وتعصيه وهو يراك ويرى ما تجاهره به؟!
قال: لا ؛ هات الرابعة.
قال: إذا جاءك ملك الموت ليقبض روحك، فقل له: أخرني حتى أتوب توبة نصوحا، وأعمل لله عملا صالحا.
قال: لا يقبل مني.
قال: يا هذا، فأنت إذا لم تقدر أن تدفع عنك الموت لتتوب، وتعلم أنه إذا جاء لم يكن له تأخير، فكيف ترجو وجه الخلاص؟!
قال: هات الخامسة.
قال: إذا جاءتك الزبانية يوم القيامة ليأخذوك إلى النار فلا تذهب معهم.
قال: لا يدعونني ولا يقبلون مني.
قال: فكيفت ترجو النجاة إذا ؟!
قال له: يا إبراهيم، حسبي، أنا أستغفر الله وأتوب إليه. ولزمه في العبادة حتى فرق الموت بينهما.
حنين فتاة
في صيف أحد الأعوام فكرت الأسرة أن تسافر كالعادة إلى بلاد أوروبا..
هناك حيث جمال الأرض وروعة المكان..
وأكثر من هذا الحرية التي تمنحها المرأة نفسها..
كانت هذه الفتاة مع الأسرة تربط الأمتعة وتنظر إلى أخيها الأكبر..
وتقول له في فرحة غامرة وسعادة كبيرة..
أما هذه العباءة سأتركها.. لا حاجة لي بها.
وهذا الحجاب الذي حجبني عن حريتي وعن متعتي فسوف أرمي به عرض الحائط.
سألبس لباس أهل الحضارة... زعمت.
طارت الأسرة وسارت من أرض الوطن وبقيت في بلاد أوروبا شهرا كاملا . ما بين اللعب والعبث والمعصية لله سبحانه وتعالى.
وفي ليلة قضتها هذه الأسرة بين سماع المزامير ورؤية المحرمات عادت الفتاة إلى غرفتها وقبل النوم أخذت تقلب تلك الصور التي التقطتها والتي ليس فيها ذرة من حياء.
ثم أخذت الفتاة الوسادة وتناولت سماعة الراديو.. تريد أن تنام مبكرة فغدا يوجد مهرجان غنائي صاخب.
نامت وهي تفكر كم الساعة الآن في بلدي.
ثم أيقظ تذكر بلدها إيمانها النائم وقالت: منذ حضرنا في هذه البلاد ونحن لن نسجد لله سجدة واحدة، والعياذ بالله.
قامت الفتاة تقلب قنوات المذياع المعد للنزلاء وإذا بصوت ينبعث من ركام الصراخ وركام العويل والمسلسلات والأغاني الماجنات (صوت الأذان).
صوت ندي وصل إلى أعماق قلبها، وأحيا الإيمان في أعماقها، صوت من أطهر مكان وأقدس بقعة في الأرض، من بلد الله الحرام... نعم إنه صوت إمام الحرم الذي انساب إلى قلب هذه المسكينة في هجعة الليل.
انساب إلى قلب هذه الفتاة التي هي ضحية واحدة من بين ملايين الضحايا.
ضحية الأب الذي لا خلاق له، وضحية الأم التي ما عرفت كيف! تصنع جيلا يخاف الله ويراقبه سبحانه وتعالى؟! سمعت صوت القرآن وهو بعيد غير واضح.. هالني الصوت حاولت مرارا أن أصفي هذه الإذاعة التي وصلت إلى القلب قبل أن تصل إلى الأذن.
أخذت أستمع إلى القرآن وأنا أبكي بكاءً عظيماً.
أبكاني بعدي عن القرآن... أبكاني نزع الحجاب... أبكتني تلك الملابس التي كنت أرتديها.
كنت أبكي من بشاعة ما نصنع في اليوم والليلة.
فلما فرغ الشيخ من قراءته أصابني الحنين ليس للوطن.. ولا للمكان.. ولا للزمان.. ولكن الحنين.. إلى ربي سبحانه وتعالى فاطر الأرض والسماء.. إلى ا لرحيم ا لرحمن... إلى ا لغفور الودود. قمت مباشرة.. فتوضأت وصليت ما شاء الله أن أصلي، لم أصل
ولم أسجد لله أو أركع ركعة واحدة خلال شهر كامل، ثم عدت أبحث عن شيء يؤنسني في هذه الوحشة وفي هذه البلاد.. فلم أجد سوى أقوام قال عنهم ربي سبحانه وتعالى: { وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ) (محمد:12)
بحثت في حقائبي فلم أجد إلا صورا خليعة وأرقام الأصدقاء.. بحثت في أشرطتي عن شريط قرآن أو محاضرة.. فلم أجد سوى أشرطة الغناء.. فكان كل شيء في هذا المكان يزيد من غربتي وبعدي عن الله عز وجل.
بقيت ساهرة طوال الليل... أحاول أن أستمع إلى المذياع لعله يسعف قلبي بآية من كتاب الله.
لعله يسعف فؤادي بحديث... لأني والله ما شعرت براحة ولا أمان إلا بعد أن استمعت إلى تلك الآيات.
والله لا طبيعة ولا جمال ولا ألعاب ولا هواء ولا نزهة أسعدتني كما أسعدني القرآن.
جاء الفجر فتوضأت وصليت... نظرت إلى أبي!!! نظرت إلى أمي!! نظرت إلى إخواني.. وإذا بهم كلهم يغطون في نوم عميق.. فزاد هذا المنظر في قلبي حزنا إلى حزني.
فلما قرب موعد الذهاب إلى المهرجان... استيقظت الأسرة من النوم العميق وأنا لا أزال ساهرة لم أذن طعم النوم.
فقررت البقاء بالغرفة والتظاهر بالمرض... فوافق الجميع على بقائي وذهبوا إلى هذا المنكر.
فبقيت أتذكر في تلك اللحظات كم معصية لله عصيتها، وكم من طاعة فرطت فيها... وكم من حد من حدود الله انتهكته إلى أن غلبني النوم.
وعادت الأسرة بعد يوم صاخب.. فقررت أن أتقدم وأن أقول كل ما لدي.
وقفت أمام الجميع.. حاولت الكلام فلم أستطع فانفجرت باكية.. فوقف والدي ووالدتي وأخذا يهدئاني وقالا هل نحضر لك طبيباً..قلت لا.
فقويت نفسي على الحديث قلت يا أبي لماذا نحن هنا؟.. يا أبي لماذا منذ أن قدمنا لم نصل ولم نسجد لله سجدة؟.. يا أبي لماذا لم نقرأ القرآن ؟... يا أبي أعدنا سريعا إلى أرض الوطن، أعدنا إلى أرض الإسلام.
يا أبي اتق الله في أيامي.. يا أبي اتق الله في آلامي... اتق الله في دمعاتي..
فتفاجأ الجميع بهذا الكلام... وذهل الأب والأم والإخوة لهذه الفتاة التي لم تتجاوز الخامسة عشرة من عمرها، وتقول كل هذا الكلام. حاول الأب أن يبور الموقف فلم يستطع.. فاضطر إلى السكوت... وفكر كثيرا في هذا الكلام الذي كان يسقي بذرة الإيمان الذابلة في قلبه.
ثم قام وأخذ يستعيذ بالله من الشيطان.
وعزم- بعد الاستغفار- على الرجوع إلى أرض السلام.
تقول الفتاة: والله كأن الجميع كانوا في نوم عميق ثم استفاقوا فجأة فوجدوا أنفسهم في بركة من القاذورات.
قام الأب وهو يردد استعاذته من الشيطان.. فأسرع وحجز على أقرب رحلة وعادت الأسرة سريعا لأرض الوطن..
لم يكن حنينهم إلى الوطن " بل حنينهم إلى عبادة الله عر وجل والأنس بقربه .
شاب تسبب في هداية فتاة
لقد كنت متحللة إلى درجة كبيرة حتى إنني كنت أقيم علاقات مع جيراني الشباب وأغريهم بالتحدث معي وألاطفهم، كنت على درجة عالية من السخافة، أستخدم الهاتف لمعاكسة الشباب حتى إن أحد الشباب شباب الحي تركني وتزوج بأختي التي تصغرني، لم أكن أؤدي الصلاة ولا ألتزم بأي نوع من أنواع العبادات....
وفي يوم من الأيام تعطلت سيارتي في الطريق فوقفت ألوح بيدي عسى أن تقف لي إحدى السيارات المارة، وبقيت على هذه الحال فترة، رغم أنه في كل مرة ينزل الشباب بل ويسارعون ليتمتعوا بابتسامتي والنظر إلى جسدي شبه العاري... وهناك.. توقفت إحدى السيارات ونزل منها شاب "عادي " لا يظهر عليه سيما التدين، وتعجبت عندما لم ينظر إلي وعمل بجد على إصلاح السيارة، وأنا مندهشة كيف لم يعجب بي!! ولم يحاول أن يلاطفني كبعض الشباب!! فحاولت أن ألاطفه وأبتسم له، وهو لا يرد علي، وعندما أنهى مهمته، وقام بإصلاح السيارة قال لي: "ستر الله عليك.. استري على نفسك... " ثم مضى وتركني مذهولة أنظر إليه وأسأل نفسي: ما الذي يجعل شابا فتيا في عنفوان شبابه ورجولته لم يفتن بي، وينصحني أن أستر نفسي؟!
وظللت طوال الطريق، أتساءل: ما القوة التي يتمسك بها هذا الشاب؟ وأفكر فيما قاله لي.. وهل أنا على صواب؟ أم أنني أمشي في طريق الهلاك، وظللت أتعجب حتى وصلت إلى البيت ولم ليهن فيه أحد في ذلك اليوم، وعندما دخلت جاء بعد قليل زوج أختي الذي كان يريدني، وتلاطف معي.. وعلى عادتي تجاوبت معه بالنظرات والكلام حتى حاول أن يعتدي علي.. وهنا تذكرت.. وهانت على نفسي لدرجة لم أجربها من قبل.. وأخذت أبكي، وأفلت من هذا الذئب سليمة الجسد معتلة النفس.. لا أدري، ما الذي أفعله؟ وما نهاية هذا الطريق الذي أسير فيه؟
وأخذت أبحث عما يريح نفسي من الهم الذي أثقلها... لم أجد في الأفلام أو الأغاني أو القصص ما ينسيني ما أنا فيه، ومرضت عدة أسابيع، ثم بعد ذلك تعرفت على بعض الفتيات المتدينات ونصحتني إحداهن بالصلاة. وفعلا عند أول صلاة، شعرت بارتياح لم أجربه من قبل وبقيت مداومة على الصلاة وحضور الدروس والقراءة، والتزمت "بالحجاب الشرعي " حتى تعجب أهلي، الذين لم يروني أصلي في يوم من الأيام،.. ومنذ ذلك اليوم سلكت طريق الهداية والدعوة إلى لله وودعت طريق الضلال والغواية.
والآن ألقي الدروس عن التوبة وعن فضل الله جل وعلا ومنته على عباده
أن يسر لهم سبل الهداية. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .
يتبع