.
.معنا في هذه الليلة علمان جليلان هما : جبريل وميكال ، ومعلوم قطعا أيها الأحبة أن جبريل وميكال من ملائكة الرحمن المقربين ، وقبلالحديث عن هذين العلمين نتحدث قليلا عن عالم الملائكة المكرمين .
أولا : خصائص الملائكة .
نزع الله تعالى من الملائكة غوائل الشر ، فهم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ، وقال الله تعالى " بل عباد مكرمون " فنعتهم ربهم جل وعلا بأنهم عباد مكرمون ، لا يأكلون لا يشربون لا يتناكحون ، ولذلك لما جاؤوا إلى إبراهيم عليه السلام وقدم لهم الأكل لم يأكلوا " فلما رأى أيديهم لا تصل إليه أوجس منهم خيفة "
ثانيا : وظائفهم .
جعل الله تعالى لهم وظائف ومهام ، قال الله تعالى عنهم " وما منا إلا وله مقام معلوم " أي مهمة لا يتأخر عنه ولا يتقدم ، كل ذلك يجري بقدر من الله تعالى ، ولله الأمر من قبل ومن بعد .
ثالثا : عددهم .
هؤلاء الملائكة جم غفير لا يعلم عددهم إلا الله ، قال الله تعالى " ما يعلم جنود ربك إلا هو " وقد طُبع في أذهان الناس وفطرهم أن هؤلاء الملائكة حسان الخلق ، وأنهم ذوو قدرة عظيمة وهيئة حسنة .
رابعا : مكانهم .
مواطنهم السماء ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم " أطت السماء وحق لها أن تئط ، ما من موضع أربعة أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجدا لله تعالى " فهؤلاء هم ملائكة الرحمن صلوات الله عليهم وعلى أنبيائه ورسله أجمعين ..
خامسا : من جبريل وميكال في هذا العالم ..؟.
ظاهر القرآن والسنة يدل على أن جبريل وميكال أحد رؤساء الملائكة الأربعة ، فالعلماء يقولون : دل القرآن والسنة على أن رؤساء الملائكة أربعة : جبريل وإسرافيل وملك الموت وميكال ، أما إسرافيل فقد أوكل الله إليه النفخ في الصور ، قال الله " فنفخ في الصور فصعق من في السموات والأرض إلا من شاء الله " وأوكل الله تعالى إليه أن يتقدم إسرافيلُ بعد النفخةِ الثانية الخلق أجمعين وهم يُحشرون إلى أرض المحشر ، يقول الله تعالى في سورة طه " يومئذ [ أي في المحشر ] يتبعون الداعي لا عوج له " فالداعي هو إسرافيل والخلقُ يتبعونه ولا يحيدون عنه لا ميمنة ولا ميسرة ، وقد وصف الله تعالى الناس بوصف بليغ عند خروجهم من قبورهم فقال في سورة القارعة " يوم يكون الناس كالفراش المبثوث " والفراش من وصفه أنه يموج بعضه في بعض يتخبط ، في حين أن الجراد يمشي على هيئة واحدة ليس كالفراش كما قال الله في سورة القمر " كأنهم جراد منتشر " وذلك كأن الناس بعد بعثهم مباشرة يكونون كالفراش لا يدرون أين يذهبون ، ثم عندما يسمعون نداء إسرافيل يجتمعون كالجراد المنتشر يسيرون خلفه يتبعونه إلى أرض المحشر وهي أرض بيضاء نقية لم يُعص الله تعالى عليها قط .
أما ملك الموت ، فلم يرد نص صريح فيه ، لكن الله أوكل إليه قبض الأرواح ، فإن هناك ملك ينفخ في أجسادنا ونحن أجنة في بطوننا ، وملك أرفع قدرا يقبض أرواحنا إذا شاء الله تعالى " قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون "
سادسا : أما جبريل وميكال فقد قرن الله بينهما في عطف خاص بعد أمر هام في سورة البقرة ، قال الله " قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين ، من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين " فذكر الله تعالى الملائكة في الأول وهذا ذكر عام ، ثم ذكر جبريل وميكال وهذا خاص ، والقصد من الإفراد في هذه الآية هو التمييز والتشريف لهما عليما الصلاة والسلام
وسبب نزول هذه الآية .
أن جمعا من اليهود جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا يا أبا القاسم : إنا سائلوك عن مسائل لا يعلمها إلا نبي ، فسألوه فأجابهم النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالوا بقيت واحدة ، إن أجبتنا إليها اتبعناك ، فأخذ عليهم النبي صلى الله عليه وسلم العهد والمواثيق إن أجابهم اتبعوه ، واليهود عليهم لعائن الله قوم بهت ، فأعطوه العهد ، فقالوا : من وليك من الملائكة ..؟ فقال عليه الصلاة والسلام : ولي من الملائكة جبريل ، ولم يكن عليه الصلاة والسلام أن يتبرأ من الملائكة ، لكن الله تعالى أوكل مهام الأنبياء إلى جبريل عليه الصلاة والسلام ، فالنبي صلى الله عليه وسلم حدث بالواقع ، فقال : ولي من الملائكة جبريل ، فقال اليهود : هذا الذي ينزل بالحرب والقتال ، فلو كان وليك من الملائكة هذا الذي ينزل بالقطر والرحمة والغيث [ أي ميكال ] لاتبعناك ، فأنزل الله تعالى " قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين ، من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين "
سابعا : ما هي المهام الموكل بها جبريل وميكال ..؟
ميكال أوكل الله إليه الغيث الرحمة القطر الماء الذي به حياة الناس ، ولهذا ينبغي أن يعرف أن القطر الذي ينزل في كل عام هو واحد ، ما كان في العام الأول والعام هذا والذي سيليه ، منذ أن خلق الله السموات والأرض من حيث الكمية واحد يقول النبي صلى الله عليه وسلم " ما عام أمطرَ من عام ، ولكن الله يصرفه حيث يشاء ، ثم قرأ " ولقد صرفناه بينهم " فأوكل الله تعالى بإذنه إلى ميكال أن يصرف هذا القطر ، فتارة يزداد وتارة يقل في أرض دون أرض ، وقد تجد بلادا ذات أرض واسعة يموت بعض أهلها من جدب الديار ، ويموت بعض أهلها من كثرة الأمطار بالغرق ، ورب الاثنين واحد لا رب غيره ، ولذلك ينبغي للمؤمن أن يتفكر في خلق الله ، يقول الله جل وعلا عن ذاته العلية " وهو الذي أرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته وأنزلنا من السماء ماء طهورا * لنحيي به بلدةً ميتا ونسقيه مما خلقنا أنعاما وأناسي كثيرا " ثم قال الله " ولقد صرفناه بينهم ليذكروا فأبى أكثر الناس إلا كفورا " فهذه مهمة ميكال عليه السلام وقد ورود ذكره في أحاديث كثيرة منها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام من الليل يلجيء إلى رب جبريل وإٍسرافيل وميكائيل فيأتي بالثلاثة في سياق واحد فيقول " اللهم رب جبرائيل وميكايل وإسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون * ........" الح
أما جبريل عليه الصلاة والسلام فقد دل ظاهر القرآن والسنة أنه أعظم الملائكة قدرا ، وقد دل على أنه أعظمهم قدرا أمور منها :
1. أن الله تعالى أوكل إليه مهمة الوحي ، فإذا كان ميكال مهمته ما فيه حياة الناس المعيشية ، فإن جبريل مهمته ما فيه حياة الناس القلبية وهي حياة الإيمان ، فهو الذي ينزل بالوحي عليه الصلاة والسلام ، والنبي صلى الله عليه وسلم لما بلغ بالوحي أول مرة ورجع إلى داره خائفا وجلا أخذته زوجته خديجة رضي الله عنها وأراضها إلى بن عمها ورقة بن نوفل ، فلما قص النبي صلى الله عليه وسلم قصته إليه قال له : هذا الناموسُ الأكبر الذي كان يأتي موسى ، فورقة يعلم أن الذي أتى بالوحي إلى موسى من قبل هو جبريل ، وقد صرح الله تعالى بنزول جبريل بالوحي في مواطن كثيرة ، ومنها قول الله جل وعلا : وإنه لتنزيل رب العالمين * نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين * بلسان عربي مبين " وجبريل عليه الصلاة والسلام لم تقتصر مهمته مع النبي صلى الله عليه وسلم بإنزال الوحي فقط ، بل تعداه إلى أمور كثيرة ، فهو الذي كان يُرقي النبي صلى الله عليه وسلم إذا مرض ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، أن جبرائيل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد اشتكيت ؟ قال : نعم ، قال : بسم الله أرقيك ، من كل شيء يؤذيك ، من شر كل نفس أو عين ، أو حاسد الله يشفيك ، بسم الله أرقيك " وهذا من عناية جبريل وولاته للنبي صلى الله عليه وسلم ، وفي معركة بدر خرج النبي صلى الله عليه وسلم في بضعةِ عشر رجلا مع ثلاثمائة من المهاجرين والأنصار ، وكانت راية بدر أعظم راية عبر التأريخ الإنساني ، فكان تحت تلك الراية سادة المهاجرين والأنصار مع أعظم الخلق محمد صلى الله عليه وسلم ، فكان جبريل عليه الصلاة والسلام مع تلك الراية خواص الملائكة وساداتهم .. يقول كعب بن مالك رضي الله عنه مفتخرا
وفي يوم بدر حينَ تُمحى ووجههم جبريل تحت لوائنا ومحمد
فانظر إلى هذه الراية العظيمة فيها سيد الملائكة جبريل وسيد البشر نبينا صلى الله عليه وسلم وسادة الناس بعد الأنبياء الأنصار والمهاجرين ، كما أن جبريل يجيب على الإشكالات العلمية التي تأتي إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، فعن عبد الله بن سلام رضي الله عنه يقول : حدثني أبو أسماء الرحبي ، أن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : كنت قاعدا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء حبر من أحبار اليهود ، فقال : السلام عليك يا محمد ، فدفعته دفعة كاد أن يصرع أي يسقط منها ، فقلت : أفلا تقول : يا رسول الله ، فقال اليهودي ، إنما ندعوه باسمه الذي سماه أهله ، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : إن اسمي محمد الذي سماني به أهلي ، فقال اليهودي : أين الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : هم في الظلمة دون الجسر ، قال : فمن أول الناس إجازة ؟ قال : فقراء المهاجرون ، قال: فما تحفتهم حين يدخلون الجنة ، قال : زيادة كبد الحوت ، قال : فما غدواؤكم على إثرها ، قال : ينحر لهم ثور الجنة الذي يأكل من أطرافها، قال : فما شرابهم عليه ؟ قال : من عين تسمى سلسبيلا ، قال : صدقت .. إلى أن قال عليه الصلاة والسلام في آخر الحديث .. : والله ما كنت أعلمها أخبرني بها جبريل لساعته ، فكان عليه الصلاة والسلام يسأل جبريل عما أشكل عليه ، فسأل عليه الصلاة والسلام عن أحب الأماكن إلى الله ، فقال المسجد ، فسأل عن أبغضها فلم يعلم ، فسأل جبريل عليه الصلاة والسلام ، فأخبرها أنها الأسواق ... والمقصود من هذا أن جبريل كان له دور المعلم ، وأحيانا يحرص جبريل على أن تكون ولايته عامة ، والملائكة أولياء للمؤمنين قطعا وجبريل منهم ، فيأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول عمر بن الخطاب ، بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل شديد سواد الشعر شديد بياض الثياب وهذا يدل على أنه رجل يُعنى بنفسه ، قال عمر ولا يعرفه منا أحد ، وقد جرت العادة أن الذي يقدم على النبي صلى الله عليه وسلم ويشهد حلقته لا يخلوا أن يكون أحد رجلين : إما أن يكون من أهل المدينة مهاجرا أو أنصاريا ، فيكون يظهر عليه حسنُ الإعتناء بنفسه ، وإما أن يكون أعرابيا قادما من سفر فيظهر عليه أن يكون أشعث أغبر يظهر عليه أثر السفر لكن عمر يقول عن هذا الرجل : لا يعرفه منا أحد أي ليس من المهاجرين والأنصار ولا يرى عليه أثر السفر كما يرى أثر السفر على الأعراب وأخذ يسأل ، وهذا يسميه بعض العلماء أحيانا سؤالات جبريل ، فجبريل يقول للنبي صلى الله عليه وسلم أخبرني عن الإسلام أخبرني عن الإيمان أخبرني عن الإحسان ، فلما فرغ من أسئلته وخرج من عند الصحابة ، قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر: أتدرون من السائل ..؟ قالوا الله ورسوله أعلم ، قال : هذا جبريل أتاكم يعلمكم أمر دينكم .. هذا ما يتعلق بولاية جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم .
السلف عليهم رحمة الله تعالى كانوا يقولون : من كان بالله أعرف كان من الله أخوف وهذه قاعدة عظيمة عرفها السلف رحمهم الله تعالى ، وهذا يتحقق كثيرا إذا تأملنا خبر القرآن والسنة عن جبريل عليه الصلاة والسلام ، يقول عليه الصلاة والسلام " ليلة أسري بي مررت على جبريل في الملأ الأعلى كالحلس البالي من خشية الله تعالى " والحالس البالي هو الفراش البالي من كثرة الجلوس عليه فالنبي صلى الله عليه وسلم يشبه خشية جبريل عليه السلام وخضوعه بالحلس البالي ، ووجه الشبه هنا : هو ما يرتابه من الخوف والهلع مع أن جبريل رواح غدّاء وله منزلة عظيمة عن ربه جل وعلا ، لكن هذا العلم من جبريل بالله تعالى جعله شديد الوجل والخوف والله تعالى له صفات جلال وصفات جمال ، فصفات الجمال تجعل الإنسان يرجوا الله تعالى أعظم ، وصفات الجلال تجعل العبد يخاف من ربه أعظم ، فإذا رزق العبد أن يعرف صفات الجمال والجلال لله تعالى رُزق أن يرجوا الله تعالى ويخافه في آنٍ واحد ، فإذا رزق المحبة اكتمل إيمان العبد وتمت أركان توحيده بالرب تعالى ، قال الله تعالى " الحمد الله رب العالمين وهذه صفات جمال تقتضي المحبة ، الرحمن الرحيم وهذه صفات جمال تقتضي الرجاء ، مالك يوم الدين صفات جلال تقتضي الخوف ، وهذه الثلاث هي جامع التوحيد كله ، وهذه كلها قد حازها جبريل عليه الصلاة والسلام .
ثبت في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن الله إذا أراد أن يتكلم بالوحي أخذت السموات منه رجفةٌ شديدة ، فإذا سمعوا ذلك أهل السموات صُعقوا وخروا سجدا ، فيكون أولُ من يرفع رأسه جبريل ، فإذا رفع رأسه أوحى الله إليه بما شاء من الأمر ، ثم يمضي جبريل على كل سماء ، كلما مر على سماء سأله ملائكتها ، ماذا قال ربنا يا جبريل ؟ فيقول ، قال الحق وهو العلي الكبير " قال الله تعالى في سورة سبأ " ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير " وينبغي أن نعرف أمرا مهما وهو : لن نعرف عن الله أكثر من أن نقرأ كتابه ، لأنه لا يوجد أحد يحيط بالله تعالى علما ، قال الله جل عن ذاته العلية " ولا يحيطون به علما " وقال " ليس كمثله شيء وهو السميع البصير " لكن الرب جل وعلا عرف بنفسه في كتابه العظيم وكل ما في القرآن عظيم
.....
أولا : خصائص الملائكة .
نزع الله تعالى من الملائكة غوائل الشر ، فهم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ، وقال الله تعالى " بل عباد مكرمون " فنعتهم ربهم جل وعلا بأنهم عباد مكرمون ، لا يأكلون لا يشربون لا يتناكحون ، ولذلك لما جاؤوا إلى إبراهيم عليه السلام وقدم لهم الأكل لم يأكلوا " فلما رأى أيديهم لا تصل إليه أوجس منهم خيفة "
ثانيا : وظائفهم .
جعل الله تعالى لهم وظائف ومهام ، قال الله تعالى عنهم " وما منا إلا وله مقام معلوم " أي مهمة لا يتأخر عنه ولا يتقدم ، كل ذلك يجري بقدر من الله تعالى ، ولله الأمر من قبل ومن بعد .
ثالثا : عددهم .
هؤلاء الملائكة جم غفير لا يعلم عددهم إلا الله ، قال الله تعالى " ما يعلم جنود ربك إلا هو " وقد طُبع في أذهان الناس وفطرهم أن هؤلاء الملائكة حسان الخلق ، وأنهم ذوو قدرة عظيمة وهيئة حسنة .
رابعا : مكانهم .
مواطنهم السماء ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم " أطت السماء وحق لها أن تئط ، ما من موضع أربعة أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجدا لله تعالى " فهؤلاء هم ملائكة الرحمن صلوات الله عليهم وعلى أنبيائه ورسله أجمعين ..
خامسا : من جبريل وميكال في هذا العالم ..؟.
ظاهر القرآن والسنة يدل على أن جبريل وميكال أحد رؤساء الملائكة الأربعة ، فالعلماء يقولون : دل القرآن والسنة على أن رؤساء الملائكة أربعة : جبريل وإسرافيل وملك الموت وميكال ، أما إسرافيل فقد أوكل الله إليه النفخ في الصور ، قال الله " فنفخ في الصور فصعق من في السموات والأرض إلا من شاء الله " وأوكل الله تعالى إليه أن يتقدم إسرافيلُ بعد النفخةِ الثانية الخلق أجمعين وهم يُحشرون إلى أرض المحشر ، يقول الله تعالى في سورة طه " يومئذ [ أي في المحشر ] يتبعون الداعي لا عوج له " فالداعي هو إسرافيل والخلقُ يتبعونه ولا يحيدون عنه لا ميمنة ولا ميسرة ، وقد وصف الله تعالى الناس بوصف بليغ عند خروجهم من قبورهم فقال في سورة القارعة " يوم يكون الناس كالفراش المبثوث " والفراش من وصفه أنه يموج بعضه في بعض يتخبط ، في حين أن الجراد يمشي على هيئة واحدة ليس كالفراش كما قال الله في سورة القمر " كأنهم جراد منتشر " وذلك كأن الناس بعد بعثهم مباشرة يكونون كالفراش لا يدرون أين يذهبون ، ثم عندما يسمعون نداء إسرافيل يجتمعون كالجراد المنتشر يسيرون خلفه يتبعونه إلى أرض المحشر وهي أرض بيضاء نقية لم يُعص الله تعالى عليها قط .
أما ملك الموت ، فلم يرد نص صريح فيه ، لكن الله أوكل إليه قبض الأرواح ، فإن هناك ملك ينفخ في أجسادنا ونحن أجنة في بطوننا ، وملك أرفع قدرا يقبض أرواحنا إذا شاء الله تعالى " قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون "
سادسا : أما جبريل وميكال فقد قرن الله بينهما في عطف خاص بعد أمر هام في سورة البقرة ، قال الله " قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين ، من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين " فذكر الله تعالى الملائكة في الأول وهذا ذكر عام ، ثم ذكر جبريل وميكال وهذا خاص ، والقصد من الإفراد في هذه الآية هو التمييز والتشريف لهما عليما الصلاة والسلام
وسبب نزول هذه الآية .
أن جمعا من اليهود جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا يا أبا القاسم : إنا سائلوك عن مسائل لا يعلمها إلا نبي ، فسألوه فأجابهم النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالوا بقيت واحدة ، إن أجبتنا إليها اتبعناك ، فأخذ عليهم النبي صلى الله عليه وسلم العهد والمواثيق إن أجابهم اتبعوه ، واليهود عليهم لعائن الله قوم بهت ، فأعطوه العهد ، فقالوا : من وليك من الملائكة ..؟ فقال عليه الصلاة والسلام : ولي من الملائكة جبريل ، ولم يكن عليه الصلاة والسلام أن يتبرأ من الملائكة ، لكن الله تعالى أوكل مهام الأنبياء إلى جبريل عليه الصلاة والسلام ، فالنبي صلى الله عليه وسلم حدث بالواقع ، فقال : ولي من الملائكة جبريل ، فقال اليهود : هذا الذي ينزل بالحرب والقتال ، فلو كان وليك من الملائكة هذا الذي ينزل بالقطر والرحمة والغيث [ أي ميكال ] لاتبعناك ، فأنزل الله تعالى " قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين ، من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين "
سابعا : ما هي المهام الموكل بها جبريل وميكال ..؟
ميكال أوكل الله إليه الغيث الرحمة القطر الماء الذي به حياة الناس ، ولهذا ينبغي أن يعرف أن القطر الذي ينزل في كل عام هو واحد ، ما كان في العام الأول والعام هذا والذي سيليه ، منذ أن خلق الله السموات والأرض من حيث الكمية واحد يقول النبي صلى الله عليه وسلم " ما عام أمطرَ من عام ، ولكن الله يصرفه حيث يشاء ، ثم قرأ " ولقد صرفناه بينهم " فأوكل الله تعالى بإذنه إلى ميكال أن يصرف هذا القطر ، فتارة يزداد وتارة يقل في أرض دون أرض ، وقد تجد بلادا ذات أرض واسعة يموت بعض أهلها من جدب الديار ، ويموت بعض أهلها من كثرة الأمطار بالغرق ، ورب الاثنين واحد لا رب غيره ، ولذلك ينبغي للمؤمن أن يتفكر في خلق الله ، يقول الله جل وعلا عن ذاته العلية " وهو الذي أرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته وأنزلنا من السماء ماء طهورا * لنحيي به بلدةً ميتا ونسقيه مما خلقنا أنعاما وأناسي كثيرا " ثم قال الله " ولقد صرفناه بينهم ليذكروا فأبى أكثر الناس إلا كفورا " فهذه مهمة ميكال عليه السلام وقد ورود ذكره في أحاديث كثيرة منها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام من الليل يلجيء إلى رب جبريل وإٍسرافيل وميكائيل فيأتي بالثلاثة في سياق واحد فيقول " اللهم رب جبرائيل وميكايل وإسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون * ........" الح
أما جبريل عليه الصلاة والسلام فقد دل ظاهر القرآن والسنة أنه أعظم الملائكة قدرا ، وقد دل على أنه أعظمهم قدرا أمور منها :
1. أن الله تعالى أوكل إليه مهمة الوحي ، فإذا كان ميكال مهمته ما فيه حياة الناس المعيشية ، فإن جبريل مهمته ما فيه حياة الناس القلبية وهي حياة الإيمان ، فهو الذي ينزل بالوحي عليه الصلاة والسلام ، والنبي صلى الله عليه وسلم لما بلغ بالوحي أول مرة ورجع إلى داره خائفا وجلا أخذته زوجته خديجة رضي الله عنها وأراضها إلى بن عمها ورقة بن نوفل ، فلما قص النبي صلى الله عليه وسلم قصته إليه قال له : هذا الناموسُ الأكبر الذي كان يأتي موسى ، فورقة يعلم أن الذي أتى بالوحي إلى موسى من قبل هو جبريل ، وقد صرح الله تعالى بنزول جبريل بالوحي في مواطن كثيرة ، ومنها قول الله جل وعلا : وإنه لتنزيل رب العالمين * نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين * بلسان عربي مبين " وجبريل عليه الصلاة والسلام لم تقتصر مهمته مع النبي صلى الله عليه وسلم بإنزال الوحي فقط ، بل تعداه إلى أمور كثيرة ، فهو الذي كان يُرقي النبي صلى الله عليه وسلم إذا مرض ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، أن جبرائيل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد اشتكيت ؟ قال : نعم ، قال : بسم الله أرقيك ، من كل شيء يؤذيك ، من شر كل نفس أو عين ، أو حاسد الله يشفيك ، بسم الله أرقيك " وهذا من عناية جبريل وولاته للنبي صلى الله عليه وسلم ، وفي معركة بدر خرج النبي صلى الله عليه وسلم في بضعةِ عشر رجلا مع ثلاثمائة من المهاجرين والأنصار ، وكانت راية بدر أعظم راية عبر التأريخ الإنساني ، فكان تحت تلك الراية سادة المهاجرين والأنصار مع أعظم الخلق محمد صلى الله عليه وسلم ، فكان جبريل عليه الصلاة والسلام مع تلك الراية خواص الملائكة وساداتهم .. يقول كعب بن مالك رضي الله عنه مفتخرا
وفي يوم بدر حينَ تُمحى ووجههم جبريل تحت لوائنا ومحمد
فانظر إلى هذه الراية العظيمة فيها سيد الملائكة جبريل وسيد البشر نبينا صلى الله عليه وسلم وسادة الناس بعد الأنبياء الأنصار والمهاجرين ، كما أن جبريل يجيب على الإشكالات العلمية التي تأتي إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، فعن عبد الله بن سلام رضي الله عنه يقول : حدثني أبو أسماء الرحبي ، أن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : كنت قاعدا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء حبر من أحبار اليهود ، فقال : السلام عليك يا محمد ، فدفعته دفعة كاد أن يصرع أي يسقط منها ، فقلت : أفلا تقول : يا رسول الله ، فقال اليهودي ، إنما ندعوه باسمه الذي سماه أهله ، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : إن اسمي محمد الذي سماني به أهلي ، فقال اليهودي : أين الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : هم في الظلمة دون الجسر ، قال : فمن أول الناس إجازة ؟ قال : فقراء المهاجرون ، قال: فما تحفتهم حين يدخلون الجنة ، قال : زيادة كبد الحوت ، قال : فما غدواؤكم على إثرها ، قال : ينحر لهم ثور الجنة الذي يأكل من أطرافها، قال : فما شرابهم عليه ؟ قال : من عين تسمى سلسبيلا ، قال : صدقت .. إلى أن قال عليه الصلاة والسلام في آخر الحديث .. : والله ما كنت أعلمها أخبرني بها جبريل لساعته ، فكان عليه الصلاة والسلام يسأل جبريل عما أشكل عليه ، فسأل عليه الصلاة والسلام عن أحب الأماكن إلى الله ، فقال المسجد ، فسأل عن أبغضها فلم يعلم ، فسأل جبريل عليه الصلاة والسلام ، فأخبرها أنها الأسواق ... والمقصود من هذا أن جبريل كان له دور المعلم ، وأحيانا يحرص جبريل على أن تكون ولايته عامة ، والملائكة أولياء للمؤمنين قطعا وجبريل منهم ، فيأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول عمر بن الخطاب ، بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل شديد سواد الشعر شديد بياض الثياب وهذا يدل على أنه رجل يُعنى بنفسه ، قال عمر ولا يعرفه منا أحد ، وقد جرت العادة أن الذي يقدم على النبي صلى الله عليه وسلم ويشهد حلقته لا يخلوا أن يكون أحد رجلين : إما أن يكون من أهل المدينة مهاجرا أو أنصاريا ، فيكون يظهر عليه حسنُ الإعتناء بنفسه ، وإما أن يكون أعرابيا قادما من سفر فيظهر عليه أن يكون أشعث أغبر يظهر عليه أثر السفر لكن عمر يقول عن هذا الرجل : لا يعرفه منا أحد أي ليس من المهاجرين والأنصار ولا يرى عليه أثر السفر كما يرى أثر السفر على الأعراب وأخذ يسأل ، وهذا يسميه بعض العلماء أحيانا سؤالات جبريل ، فجبريل يقول للنبي صلى الله عليه وسلم أخبرني عن الإسلام أخبرني عن الإيمان أخبرني عن الإحسان ، فلما فرغ من أسئلته وخرج من عند الصحابة ، قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر: أتدرون من السائل ..؟ قالوا الله ورسوله أعلم ، قال : هذا جبريل أتاكم يعلمكم أمر دينكم .. هذا ما يتعلق بولاية جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم .
السلف عليهم رحمة الله تعالى كانوا يقولون : من كان بالله أعرف كان من الله أخوف وهذه قاعدة عظيمة عرفها السلف رحمهم الله تعالى ، وهذا يتحقق كثيرا إذا تأملنا خبر القرآن والسنة عن جبريل عليه الصلاة والسلام ، يقول عليه الصلاة والسلام " ليلة أسري بي مررت على جبريل في الملأ الأعلى كالحلس البالي من خشية الله تعالى " والحالس البالي هو الفراش البالي من كثرة الجلوس عليه فالنبي صلى الله عليه وسلم يشبه خشية جبريل عليه السلام وخضوعه بالحلس البالي ، ووجه الشبه هنا : هو ما يرتابه من الخوف والهلع مع أن جبريل رواح غدّاء وله منزلة عظيمة عن ربه جل وعلا ، لكن هذا العلم من جبريل بالله تعالى جعله شديد الوجل والخوف والله تعالى له صفات جلال وصفات جمال ، فصفات الجمال تجعل الإنسان يرجوا الله تعالى أعظم ، وصفات الجلال تجعل العبد يخاف من ربه أعظم ، فإذا رزق العبد أن يعرف صفات الجمال والجلال لله تعالى رُزق أن يرجوا الله تعالى ويخافه في آنٍ واحد ، فإذا رزق المحبة اكتمل إيمان العبد وتمت أركان توحيده بالرب تعالى ، قال الله تعالى " الحمد الله رب العالمين وهذه صفات جمال تقتضي المحبة ، الرحمن الرحيم وهذه صفات جمال تقتضي الرجاء ، مالك يوم الدين صفات جلال تقتضي الخوف ، وهذه الثلاث هي جامع التوحيد كله ، وهذه كلها قد حازها جبريل عليه الصلاة والسلام .
ثبت في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن الله إذا أراد أن يتكلم بالوحي أخذت السموات منه رجفةٌ شديدة ، فإذا سمعوا ذلك أهل السموات صُعقوا وخروا سجدا ، فيكون أولُ من يرفع رأسه جبريل ، فإذا رفع رأسه أوحى الله إليه بما شاء من الأمر ، ثم يمضي جبريل على كل سماء ، كلما مر على سماء سأله ملائكتها ، ماذا قال ربنا يا جبريل ؟ فيقول ، قال الحق وهو العلي الكبير " قال الله تعالى في سورة سبأ " ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير " وينبغي أن نعرف أمرا مهما وهو : لن نعرف عن الله أكثر من أن نقرأ كتابه ، لأنه لا يوجد أحد يحيط بالله تعالى علما ، قال الله جل عن ذاته العلية " ولا يحيطون به علما " وقال " ليس كمثله شيء وهو السميع البصير " لكن الرب جل وعلا عرف بنفسه في كتابه العظيم وكل ما في القرآن عظيم
.....